كتاب رياض الصالحين الجزء الثانى

51- باب الرجاء

قال اللَّه تعالى :{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللَّه إن اللَّه يغف الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم } .
وقال تعالى:  { وهل نجازي إلا الكفور } .
وقال تعالى:  { إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى } .
وقال تعالى:  { ورحمتي وسعت كل شيء } .
412- وعن عُبادَة بنِ الصامِتِ ، رضي اللَّهُ عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « منْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وأَنَّ مُحمَّداً عبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وأَنَّ عِيسى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وأَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلى ما كانَ مِنَ العمَلِ » متفقٌ عليه .
    وفي رواية لمسلم : « مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وأَنَّ مُحَمَّداً رسُولُ اللَّهِ ، حَرَّمَ اللَّهُ علَيهِ النَّارَ » .
413- وعن أبي ذَرٍّ ، رضيَ اللَّهُ عنه ، قال : قال النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يقولُ اللَّهُ عزَّ وجَلّ: مَنْ جاءَ بِالحَسَنَةِ ، فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِها أَوْ أَزْيَدُ ، ومَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ ، فَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ . وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْراً ، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعاً ، ومنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذرَاعاً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ باعاً، وَمَنْ أَتاني يمشي ، أَتَيْتُهُ هَرْولَةً ، وَمَنْ لَقِيَني بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئاً، لَقِيتُهُ بمثْلِها مغْفِرَةً » رواه مسلم.
    معنى الحديث : « مَنْ تَقَرَّبَ » إِلَيَّ بِطاعَتي « تَقَرَّبْتُ » إِلَيْهِ بِرحْمَتي ، وإِنْ زَادَ زِدْتُ، «فَإِنْ أَتاني يَمشي » وَأَسْرَعَ في طاعَتي « أَتَيْتُه هَرْوَلَةً » أَيْ : صَبَبْبُ علَيْهِ الرَّحْمَة ، وَسَبَقْتهُ بها ، ولَمْ أُحْوِجْهُ إِلى المَشْيِ الْكَثِيرِ في الوُصُولِ إِلى المَقْصُودِ ، « وَقُرَابُ الأَرْضِ» بضمِّ القافِ ويُقال بكسرها ، والضمّ أَصحّ ، وأَشهر ، ومعناه : ما يُقارِبُ مِلأَها ، واللَّه أعلم .
414- وعن جابر ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : يا رَسُولَ اللَّهِ ، ما المُوجِبَتانِ ؟ فَقَالَ : « مَنْ مَات لاَ يُشرِكُ بِاللَّه شَيْئاً دخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَنْ ماتَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، دَخَلَ النَّارَ » رواه مُسلم .
415- وَعن أَنسٍ ، رضي اللَّهُ عنه ، أَنَّ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَمُعَاذٌ ردِيفُهُ عَلى الرَّحْلِ قَالَ : «يا مُعاذُ » قال : لَبيَّيْكَ يا رسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ، قالَ : « يا مُعَاذُ » قالَ : لَبَّيكَ يارَسُول اللَّهِ وَسَعْديْكَ . قالَ : « يَا مُعاذُ » قال : لَبَّيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْديكَ ثلاثاً ، قالَ : « ما مِن عَبدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِله إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمدا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ صِدْقاً مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ على النَّارِ » قالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُخْبِرُ بِها النَّاسَ فيستبشروا ؟ قال : «إِذاً يَتَّكلُوا » فَأَخْبرَ بها مُعَـاذٌ عِنْد مَوْتِهِ تَأَثُّماً . متفقٌ عليه .
    وقوله : « تَأَثماً » أَيْ : خَوْفاً مِنَ الإِثمِ في كَتْمِ هذا العِلْمِ .
416- وعنْ أبي هريرة أَوْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضيَ اللَّهُ عنهما : شَك الرَّاوِي ، وَلاَ يَضُرُّ الشَّكُّ في عَينِ الصَّحابي ، لأَنهم كُلُّهُمْ عُدُولٌ ، قال : لما كان يَوْمُ غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَصابَ الناسَ مَجَاعَةٌ ، فَقالُوا : يا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَذِنْتَ لَنا فَنَحَرْنَا نَواضِحَنا ، فَأَكلْنَا وَادَّهَنَّا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « افْعَلُوا » فَجَاءَ عُمَرُ رضي اللَّهُ عنهُ ، فقالَ : يا رَسولَ اللَّهِ إِنْ فَعَلْتَ قَلَّ الظَّهْرُ ، وَلَكِنْ ادْعُهُمْ بفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ ، ثُمَّ ادْعُ اللَّهِ لَهُمْ عَلَيْهَا بِالبَرَكَةِ لَعَلَّ اللَّه أَنْ يَجْعَلَ في ذلكَ البَرَكَةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « نَعَمْ» فَدَعَا بِنِطْعٍ فَبَسَطهُ ، ثُمَّ دَعَا بِفَضْلِ أَزَاوَدِهِمْ ، فَجعلَ الرَّجُلُ يجيءُ بِكَفِّ ذُرَةٍ ويجيءُ الآخَرُ بِكَفِّ تَمْرٍ ، ويجيءُ الآخَرُ بِكِسرَةٍ حَتى اجْتَمَعَ عَلى النِّطْعِ مِنْ ذَلِكَ شَيءٌ يَسِيرٌ ، فَدَعَا رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِالبَرَكَةِ ، ثُمَّ قالَ « خُذُوا في أَوْعِيَتِكُمْ ، فَأَخَذُوا في أَوْعِيَتِهِمْ حتى ما تركُوا في العَسْكَرِ وِعاء إِلاَّ مَلأوهُ ، وأَكَلُوا حَتَّى شَبعُوا وَفَضَلَ فَضْلَةٌ ، فقالَ رَسُولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لاَ يَلْقَى اللَّه بهما عَبْدٌ غَيْرُ شاكٍّ ، فَيُحْجبَ عَنِ الجَنَّةِ» رواهُ مسلم .
417- وَعَنْ عِتْبَانَ بنِ مالكٍ ، رضي اللَّه عنه ، وهو مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً ، قال : كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمي بَني سالمٍ ، وَكَانَ يَحُولُ بَيْني وَبينهُم وادٍ إِذَا جاءَتِ الأَمطارُ ، فَيَشُقُّ عَليَّ اجْتِيَازُهُ قِبَلَ مَسْجِدِهِمْ ، فَجئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فقلتُ له : إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي ، وَإِنَّ الوَادِيَ الَّذِي بيْني وَبَيْنَ قَوْمي يسِيلُ إِذَا جَاءَت الأَمْطارُ ، فَيَشُقُّ عَليَّ اجْتِيازُهُ ، فَوَدِدْتُ أَنَّكَ تَأْتي ، فَتُصَليِّ في بَيْتي مَكاناً أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى، فقال رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « سأَفْعَلُ » فَغَدا عليَّ رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَبُو بَكْرٍ، رضي اللَّهُ عنه ، بَعْدَ ما اشْتَدَّ النَّهَارُ ، وَاسْتَأْذَنَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَأَذِنْتُ لهُ ، فَلَمْ يَجْلِسْ حتى قالَ : « أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ ؟ » فَأَشَرْتُ لهُ إِلى المَكَانِ الَّذِي أُحبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فيه ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَكَبَّرَ وَصَفَفْنَا وَراءَهُ ، فَصَلَّى رَكَعَتَيْن ، ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ ، فَحَبَسْتُهُ علَى خَزيرة تُصْنَعُ لَهُ ، فَسَمَعَ أَهْلُ الدَّارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في بَيْتي ، فَثَابَ رِجَالٌ منهمْ حتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ في البَيْتِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : مَا فَعَلَ مَالِكٌ لا أَرَاهُ ، فَقَالَ رَجُلٌ : ذلك مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّه ورَسُولَهُ ، فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم « لاَ تَقُلْ ذَلِكَ أَلاَ تَراهُ قالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعالى ؟،» . فَقَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، أَمَّا نَحْنُ فَوَاللَّهِ ما نَرَى وُدَّهُ ، وَلاَ حَديثَهُ إِلاَّ إِلى المُنَافِقينَ ، فقالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « فَإِنَّ اللَّه قَدْ حَرَّمَ على النَّارِ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهِ اللَّهِ » متفقٌ عليه .
    و « عِتْبَانِ » بكسر العين المهملة ، وإِسكان التاءِ المُثَنَّاةِ فَوْقُ وبَعْدهَا باءٌ مُوَحَّدَةٌ . و «الخَزِيرَةُ » بالخاءِ المُعْجمةِ ، وَالزَّاي : هِي دقِيقٌ يُطْبَخُ بِشَحْمٍ وقوله : « ثابَ رِجالٌ » بالثَّاءِ المِثَلَّثَةِ ، أَيْ : جَاءوا وَاجْتَمعُوا .
418- وعن عمرَ بنِ الخطاب ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قَدِمَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِسَبْي فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي تَسْعَى ، إِذْ وَجَدتْ صبيًّا في السبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْزَقَتْهُ بِبَطْنِها ، فَأَرْضَعَتْهُ ، فقال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَتُرَوْنَ هَذِهِ المَرْأَةَ طارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ ؟ قُلْنَا : لاَ وَاللَّهِ . فَقَالَ : «للَّهُ أَرْحمُ بِعِبادِهِ مِنْ هَذِهِ بِولَدِهَا » متفقٌ عليه.
419- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قال رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لما خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ ، كَتَبَ في كِتَابٍ ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ : إِنَّ رَحْمتي تَغْلِبُ غَضَبِي » .
وفي روايةٍ : « غَلَبَتْ غَضَبِي » وفي روايةٍ « سَبَقَتْ غَضَبِي » متفقٌ عليه .
420- وعنه قال : سمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وتِسْعِينَ ، وَأَنْزَلَ في الأَرْضِ جُزْءَا واحِداً ، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَراحمُ الخَلائِقُ حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ ولَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ » .
    وفي روايةٍ : « إِنَّ للَّهِ تَعَالى مائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الجِنِّ والإِنْسِ وَالبَهَائمِ وَالهَوامِّ ، فَبهَا يَتَعاطَفُونَ ، وبها يَتَراحَمُونَ ، وَبها تَعْطِفُ الوَحْشُ عَلى وَلَدهَا ، وَأَخَّرَ اللَّهُ تَعالى تِسْعاً وتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بها عِبَادهُ يَوْمَ القِيَامَةِ » متفقٌ عليه .
ورواهُ مسلم أَيضاً من روايةِ سَلْمَانَ الفَارِسيِّ ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ للَّهِ تَعَالَى ماِئَةَ رَحْمَةٍ فَمِنْها رَحْمَةٌ يَتَراحَمُ بها الخَلْقُ بَيْنَهُمْ، وَتِسْع وَتِسْعُونَ لِيَوْم القِيامَةِ » .
وفي رواية « إِنَّ اللَّه تعالى خَلَقَ يَومَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلى الأَرْضِ ، فَجَعَلَ مِنها في الأَرْضِ رَحْمَةً فَبِها تَعْطِفُ الوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا وَالْوحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُها عَلَى بَعْضٍ فَإِذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ ، أَكْمَلَها بهِذِهِ الرَّحْمَةِ » .
421- وعنه عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم . فِيمَا يَحكِى عَن ربِّهِ ، تَبَارَكَ وَتَعَالى ، قال : « أَذنَب عبْدٌ ذَنباً ، فقالَ : اللَّهُمَّ اغفِرْ لي ذَنبي ، فقال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعالى : أَذَنَبَ عبدِي ذنباً ، فَعلِم أَنَّ لَهُ ربًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيأْخُذُ بِالذَّنبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذَنَبَ، فقال : أَيْ ربِّ اغفِرْ لي ذنبي ، فقال تبارك وتعالى : أَذنبَ عبدِي ذَنباً ، فَعَلَمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ ، وَيَأخُذُ بِالذنْبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأَذنَبَ ، فقال : أَي رَبِّ اغفِرْ لي ذَنبي ، فقال تَبَارَكَ وَتَعَالى : أَذنَبَ عَبدِي ذَنباً ، فعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنبَ ، وَيأْخُذُ بِالذَّنبِ ، قدَ غَفَرْتُ لِعبدي .. فَلْيَفعَلْ ما شَاءَ » متفقٌ عليه.
وقـوله تعالى : « فَلْيَفْعلْ ما شَاءَ » أَي : مَا دَامَ يَفْعَلُ هَكَذا ، يُذْنِبُ وَيتُوبُ أَغْفِرُ لَهُ ، فإِنَّ التَّوبَةَ تَهِدِمُ ما قَبْلَهَا .
422- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذنِبُوا ، لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ ، وَجَاءَ بِقوم يُذْنِبُونَ ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّه تعالى ، فيَغْفرُ لَهُمْ رواه مسلم .
423- وعن أبي أَيُّوبَ خَالِدِ بنِ زيد، رضي اللَّه عنه قال: سمعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: « لَوْلا أَنَّكُمْ تُذنبُونَ ، لخَلَقَ اللَّهُ خَلقاً يُذنِبونَ ، فَيَسْتَغْفِرُونَ ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ » رواه مسلم .
424- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه ، قال : كُنَّا قُعوداً مَع رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، مَعَنا أَبُو بكْر وَعُمَرُ ، رضي اللَّه عنهما في نَفَرٍ ، فَقَامَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ بَيْن أَظْهُرنَا ، فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا، فَخَشَينا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا ، فَفَزَعْنا ، فَقُمْنَا ، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزعَ ، فَخَرجتُ أَبْتَغِي رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، حَتَّى أَتَيتُ حَائِطاً لِلأَنْصَارِ وَذَكَرَ الحديث بطُوله إِلى قوله : فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « اذْهَبْ فَمَنْ لَقِيتَ وَرَاءَ هَذَا الحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إلاَّ اللَّه ، مُسْتَيقِناً بهَا قَلَبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ » رواه مسلم .
425- وعن عبد اللَّه بن عَمْرو بن العاص ، رضي اللَّه عنهما ، أَن النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم تَلا قَوَل اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ في إِبراهِيمَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْللْنَ كَثيراً مِنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَني فَإِنَّهُ مِنِّي}  [ إبراهيم : 36 ] ، وَقَوْلَ عيسى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم :  {إِنْ تُعَذِّبْهُم فَإِنَّهُم عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُم فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ} [ المائدة : 118 ] ، فَرَفَعَ يَدَيْه وقال « اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي» وَبَكَى ، فقال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : « يا جبريلُ اذْهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ ،فسلْهُ مَا يُبكِيهِ ؟ » فَأَتَاهُ جبرِيلُ فَأَخبَرَهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِمَا قال:وَهُو أَعْلَمُ ، فقال اللَّهُ تعالى:  { يا جِبريلُ اذهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ فَقُلْ : إِنَّا سَنُرضِيكَ في أُمَّتِكَ وَلا نَسُوؤُكَ } رواه مسلم .
426- وعن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال كُنتُ رِدْفَ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم على حِمارٍ فقال : « يَا مُعَاذُ هَل تَدري مَا حَقُّ اللَّه عَلى عِبَادِهِ  ، ومَا حَقُّ الْعِبادِ عَلى اللَّه ؟ قلت : اللَهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قال : « فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَن يَعْبُدُوه ، وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ، وَحقَّ العِبادِ عَلى اللَّهِ أَنْ لا يُعَدِّبَ مَنْ لا يُشِركُ بِهِ شَيْئاً ، فقلت : يا رسولُ اللَّهِ أَفَلا أُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ قال : « لا تُبَشِّرْهُم فَيَتَّكِلُوا » متفقٌ عليه .
427- وعن البَرَاءِ بنِ عازبٍ ، رضي اللَّه عنهما ، عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « المُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ في القَبرِ يَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه ، وأَنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللَّه ، فذلك قولهُ تعالى :  {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْل الثَّابِتِ في الحَياةِ الدُّنيَا وفي الآخِرَةِ }  [ إبراهيم : 27 ] متفقٌ عليه .
428- وعن أَنسٍ ، رضي اللَّهُ عنه عن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّ الكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً ، أُطعِمَ بِهَا طُعمَةً مِنَ الدُّنيَا ، وَأَمَّا المُؤمِن ، فَإِنَّ اللَّه تعـالى يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ في الآخِرَةِ ، وَيُعْقِبُهُ رِزْقاً في الدُّنْيَا عَلى طَاعَتِهِ » .
    وفي روايةٍ : « إِنَّ اللَّه لا يَظْلِمُ مُؤْمِناً حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا في الدُّنْيَا ، وَيُجْزَى بِهَا في الآخِرَة، وَأَمَّا الْكَافِرُ ، فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ للَّهِ تعالى ، في الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلى الآخِرَة ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا » رواه مسلم .
429- وعن جابرٍ ، رضي اللَّه عنه قال : قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ كَمَثَلِ نَهَرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ » رواه مسلم.
    « الْغَمْرُ » الْكَثِيرُ .
430- وعن ابنِ عباسٍ ، رضي اللَّه عنهما ، قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنازتِه أَرَبَعُونَ رَجُلاً لا يُشرِكُونَ بِاللَّهِ شَيئاً إِلاَّ شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فيه»رواه مسلم .
431- وعن ابنِ مسعودٍ ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : كُنَّا مَعَ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في قُبَّةٍ نَحواً مِنْ أَرَبعِينَ ، فقال : « أَتَرضَونَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ ؟ » قُلْنَا: نَعَم ، قال : «أَتَرضَونَ أَن تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ ؟ » قُلْنَا : نَعَم ، قال: « وَالَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأَرجُو أَنْ تَكُونُوا نِصفَ أَهْلِ الجَنَّة ، وَذَلِك أَنَّ الجَنَّةَ لا يَدخُلُهَا إِلاَّ نَفسٌ مُسلِمَةٌ ، وَمَا أَنتُمْ في أَهْلِ الشِّركِ إِلاَّ كََالشَّعرَةِ البَيَضَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَسودِ ، أَوْ كَالشَّعَرَةِ السَّودَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَحْمَرِ » متفقٌ عليه.
432- وعن أبي موسى الأَشعري ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ دَفَعَ اللَّهُ إِلى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُوديًّا أو نَصْرَانِيّآً فَيَقُولُ : هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ» .
وفي رواية عنهُ عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيامَةِ نَاسٌ مِنَ المُسْلِمِين بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الجبَالِ يَغفِرُهَا اللَّهُ لهمُ » رواه مسلم .
قوله : « دَفَعَ إِلى كُلِّ مُسْلِمٍ يهودِيًّا أَوْ نَصرانِياً فَيَقُولُ : هَذا فكَاكُكَ مِنَ النَّارِ » معْنَاهُ مَا جَاءَ في حديث أبي هريرة ، رضي اللَّهُ عنهُ : « لِكُلِّ أَحَدٍ مَنزِلٌ في الجَنَّةِ ، ومَنزِلٌ في النَّارِ، فالمُؤْمِن إِذَا دَخَلَ الجنَّةَ خَلَفَهُ الكَافِرُ في النَّارِ ، لأَنَّهُ مُسْتَحِق لذلكَ بكُفْرِه » وَمَعنى «فكَاكُكَ » : أَنَّكَ كُنْتَ مُعَرَّضاً لِدُخُولِ النَّارِ ، وَهَذا فِكَاكُكَ ، لأَنَّ اللَّه تعالى قَدَّرَ لِلنَّارِ عدَداً يَمْلَؤُهَا ، فإِذا دَخَلَهَا الكُفَّارُ بِذُنُوبِهمْ وَكُفْرِهِمْ ، صَارُوا في مَعنى الفِكَاك لِلمُسلِمِينَ . واللَّه أَعلم .
433- وعن ابن عمَر رضي اللَّه عنهما قال : سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « يُدْنَى المُؤْمِنُ يَومَ القِيَامَةِ مِنُ رَبِّهِ حتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيهِ ، فَيُقَرِّرَهُ بِذُنُوبِه ، فيقولُ: أَتَعرفُ ذنبَ كَذا؟ أَتَعرفُ ذَنبَ كَذَا ؟ فيقول : رَبِّ أَعْرِفُ ، قال : فَإِنِّي قَد سَتَرتُهَا عَلَيكَ في الدُّنيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَومَ ، فَيُعطَى صَحِيفَةَ حسَنَاته » متفقٌ عليه .
كَنَفُهُ : سَتْرُهُ وَرَحْمَتُهُ .
434- وعن ابنِ مسعودٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَة ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فأَخبره ، فأَنزل اللَّهُ تعالى :  { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرََفي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ الَّليْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ }  [ هود : 114 ] فقال الرجل : أَلي هذا يا رسولَ اللَّه ؟ قال : «لجَميعِ أُمَّتي كُلهِمْ » متفقٌ عليه .
435- وعن أَنسٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : يا رسولَ اللَّهِ أَصَبْتُ حدّاً ، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، وَحَضَرتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى مَعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَلَمَّا قَضَى الصَّلاة قال : يا رسول اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حدًّا ، فأَقِمْ فيَّ كتَابَ اللَّهِ ، قال : « هَلْ حَضَرْتَ مَعَنَا الصَّلاَةَ ؟ » قال : نَعم :  قال«قد غُفِرَ لَكَ » متفقٌ عليه .
وقوله : « أَصَبْتُ حَدًّا » معناه : مَعْصِيَةً تُوجِبُ التَّعْزير ، وَليس المُرَادُ الحَدَّ الشَّرْعِيَّ الْحقيقيَّ كَحَدِّ الزِّنَا والخمر وَغَيْرِهمَا ، فَإِنَّ هَذِهِ الحُدودَ لا تَسْقُطُ بِالصلاةِ، ولا يجوزُ للإمام تَرْكُهَا .
436- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ اللَّه لَيَرضي عن الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكلَةَ، فَيحْمَدُهُ عليها ، أَوْ يَشْربَ الشَّرْبَةَ ، فَيَحْمدُهُ عَليها » رواه مسلم.
« الأَكْلَةُ » بفتح الهمزة وهي المرَّةُ الواحدةُ مِنَ الأَكلِ كَالْغَدْوةِ والْعَشْوَةِ ، واللَّه أعلم .
437- وعن أبي موسى ، رضي اللَّه عنه ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قال : « إِنَّ اللَّه تعالى، بَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيلِ لَيَتُوبَ مُسيِءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدهُ بِالنَّهارِ ليَتُوبَ مُسيءُ اللَّيلِ حتى تَطْلُعَ الشمسُ مِنْ مَغْرِبَها » رواه مسلم .
438- وعن أبي نجيحٍ عَمرو بن عَبْسَةَ بفتح العين والباءِ السُّلَمِيِّ ، رضي اللَّه عنه قال : كنتُ وَأَنَا في الجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلى ضَلالَةٍ ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا على شيءٍ ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَاراً ، فَقَعَدْتُ عَلى رَاحِلَتي ، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُسْتَخْفِياً جُرَءَاءُ عليهِ قَوْمُهُ ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخلْتُ عَلَيهِ بِمَكَّة ، فَقُلْتُ له : ما أَنَتَ ؟ قال : « أَنا نَبي » قلتُ : وما نبي ؟ قال : « أَرْسَلِني اللَّه » قلت: وبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسلَكَ ؟ قال : « أَرْسَلني بِصِلَةِ الأَرْحامِ ، وكسرِ الأَوْثان ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّه لايُشْرَكُ بِهِ شَيْء » قلت : فَمنْ مَعَكَ عَلى هَذا ؟ قال : « حُر وَعَبْدٌ » ومعهُ يوْمَئِذٍ أَبو بكر وبلالٌ رضي اللَّه عنهما . قلت : إِنِّي مُتَّبعُكَ ، قال إِنَّكَ لَنْ تَستطِيعَ ذلكَ يَوْمَكَ هَذا . أَلا تَرى حَالى وحالَ النَّاسِ ؟ وَلَكِنِ ارْجعْ إِلى أَهْلِكَ فَإِذا سمعْتَ بِي قد ظَهَرْتُ فَأْتِني » قال  فَذهبْتُ إِلى أَهْلي ، وَقَدِمَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم المَدينَةَ . وكنتُ في أَهْلي . فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الأَخْبَارَ ، وَأَسْأَلُ النَّاسَ حينَ قَدِمَ المدينة حَتَّى قَدِمَ نَفرٌ مِنْ أَهْلي المدينةَ ، فقلتُ : ما فَعَلَ هذا الرَّجُلُ الذي قدِم المدينةَ ؟ فقالوا : النَّاسُ إِليهِ سِراعٌ وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُه قَتْلَهُ ، فَلَمْ يَستْطَيِعُوا ذلِكَ ، فَقَدِمتُ المدينَةَ فَدَخَلتُ عليهِ ، فقلتُ : يا رسولَ اللَّه أَتَعرِفُني ؟ قال : «نَعم أَنتَ الَّذي لَقيتنَي بمكةَ » قال : فقلتُ : يا رسول اللَّه أَخْبرني عمَّا عَلَّمكَ اللَّه وَأَجْهَلُهُ، أَخبِرنْي عَنِ الصَّلاَةِ؟ قال : « صَلِّ صَلاَةَ الصُّبحِ ، ثُمَّ اقْصُرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَرتفَعِ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حين تطلع بَيْنَ قَرْنَي شَيْطَانٍ ، وَحِينئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكفَّارُ ، ثُمَّ صَل ، فَإِنَّ الصَّلاَةَ مشهودة محضورة . حتى يستقِلَّ الظِّلُّ بالرُّمحِ ، ثُمَّ اقْصُر عن الصَّلاةِ، فإِنه حينئذٍ تُسجَرُ جَهَنَّمُ ، فإِذا أَقبلَ الفَيء فصَلِّ ، فإِنَّ الصَّلاةَ مَشهودةٌ محضورة حتى تُصَلِّيَ العصرَ ثم اقْصُر عن الصلاةِ حتى تَغْرُبَ الشمسُ ، فإِنها تُغرُبُ بين قَرنيْ شيطانٍ ، وحينئذٍ يَسْجُدُ لها الكُفَّارُ » .
    قال : فقلت : يا نَبِيَّ اللَّه ، فالوضوءُ حدّثني عنه ؟ فقال : « ما منْكُمْ رجُل يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ ، فَيَتَمَضْمضُ ويستنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ ، إِلاَّ خَرَّتْ خطايَا وجههِ وفيهِ وخياشِيمِهِ . ثم إِذا غَسَلَ وجهَهُ كما أَمَرَهُ اللَّه إِلاَّ خرّت خطايا وجهِهِ مِنْ أَطرافِ لحْيَتِهِ مع الماءِ . ثم يغسِل يديهِ إِلى المِرفَقَينِ إِلاَّ خرّت خطايا يديه من أَنامِلِهِ مع الماءِ ، ثم يَمْسحُ رَأْسَهُ ، إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ من أَطرافِ شَعْرهِ مع الماءِ ، ثم يَغْسِل قَدَمَيهِ إِلى الكَعْبَيْنِ ، إلاَّ خَرت خطايا رِجْلَيه من أَنَامِلِهِ مَع الماءِ ، فإِن هو قامَ فصلَّى ، فحمِدِ اللَّه تعالى ، وأَثْنَى عليهِ وَمجَّدَهُ بالذي هو له أَهل ،وَفَرَّغَ قلبه للَّه تعالى . إِلا انصَرَفَ من خطيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يومَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».
     فحدّثَ عَمرو بنُ عَبسةَ بهذا الحديثَ أَبَا أُمَامَة صاحِبِ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال له أبو أمامة: يا عَمْروُ بن عَبْسَةَ ، انظر ما تقولُ . في مقامٍ واحِدٍ يُعطى هذا الرَّجُلُ ؟ فقال عَمْرو : يا أَبَا أُمامةَ . فقد كِبرَتْ سِنِّي ، ورَقَّ عَظمِي ، وَاقْتَرَبَ أَجَلي ، وما بي حَاجة أَنْ أَكذِبَ على اللَّهِ تعالى ، ولا على رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لو لم أَسْمَعْهُ من رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِلاَّ مَرَّةً أَوْ مَرْتَيْن أو ثلاثاً ، حَتَّى عَدَّ سبعَ مَراتٍ ، ما حَدَّثتُ أَبداً بِهِ ، ولكنِّي سمِعتُهُ أَكثَرَ من ذلك رواه مسلم .
    قوله : « جُرَءَاءُ عليهِ قومُهُ » : هو بجيمٍ مضمومة وبالمد على وزنِ عُلماء ، أَي : جاسِرُونَ مُستَطِيلونَ غيرُ هائِبينَ . هذه الرواية المشهورةُ ، ورواه الحُمَيْدِي وغيرهُ : « حِراء» بكسر الحاءِ المهملة . وقال : معناه غِضَابُ ذُوُو غَمٍّ وهمٍّ ، قد عيلَ صبرُهُمْ بهِ ، حتى أَثَّرَ في أَجسامِهِم ، من قوَلِهم : حَرَىَ جِسمُهُ يَحْرَى، إِذَا نقصَ مِنْ أَلمٍ أَوْ غم ونحوه ، والصَّحيحُ أَنَهُ بالجيمِ .
وقوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « بين قَرنَي شيطانٍ » أَيْ : ناحيتي رأسهِ . والمرادُ التَّمثِيلُ . معناهُ : أَنه حينئذٍ يَتَحرَّكُ الشَّيطانُ وشيِعتهُ . وَيَتَسَلَّطُونَ .
وقوله : « يُقَرِّبُ وَضُوءَه » معناه : يُحْضِرُ الماءَ الذي يَتَوَضَّأُ بِه. وقوله :« إِلاَّ خَرّتْ خَطاياهُ » هو بالخاءِ المعجمة : أَيْ سقطَت . ورواه بعضُهُم . « جرتْ » بالجيم . والصحيح بالخاءِ ، وهو رواية الجُمهور .
وقوله : « فَيَنْتَثرُ » أَيْ : يَستَخرجُ ما في أَنفه مِنْ أَذَى ، والنَّثرَةُ : طرَفُ الأَنفِ .
439- وعن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «إِذا أَرادَ اللَّه تعالى ، رحمةَ أُمَّةٍ ، قَبضَ نبيَّهَا قَبلَها ، فجعلَهُ لها فَرَطاً وسلَفاً بين يَدَيها ، وإذا أرادُ هَلَكةَ أُمَّةٍ  ، عذَّبها ونبيُّهَا حَيُّ ، فَأَهْلَكَهَا وهوَ حَيُّ ينظُرُ ، فَأَقَرَّ عينَهُ بِهلاكها حين كذَّبوهُ وعصَوا أَمْرَهُ » رواه مسلم .
المُعْجَمَةِ ، أَي : غَيْرَ مختُونِينَ .

52- باب فضل الرجاء
قال اللَّه تعالى إخباراً عن العبد الصالح: { وأفوض أمري إلى اللَّه إن اللَّه بصير بالعباد، فوقاه اللَّه سيئات ما مكروا } .
440- وعن أبي هريرة ، رضيَ اللَّه عنه ، عن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنَّهُ قال : « قالَ اللَّه ، عَزَّ وَجلَّ ، أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدي بي ، وأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُني ، وَاللَّهِ للَّهُ أَفْرَحُ بتَوْبةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يجدُ ضالَّتَهُ بالْفَلاةِ ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْراً ، تَقرَّبْتُ إِلَيْهُ ذِرَاعاً ، وَمَنْ تَقَرّبَ إِلَيَّ ذِراعاً ، تقَرَّبْتُ إليه بَاعاً ، وإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يمْشي ، أَقبلتُ إلَيه أُهَرْوِلُ » متفقٌ عليه ، وهذا لفظ إحدى رِوايات مسلم .
441- وعن جابِر بن عبدِ اللَّه ، رضي اللَّه عنهما ، أَنَّهُ سَمعَ النَبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَبْلَ موْتِهِ بثلاثَةِ أَيَّامٍ يقولُ : « لا يموتن أَحَدُكُم إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ باللَّه عزَّ وَجَلَّ » رواه مسلم .
442- وعن أَنسٍ ، رضي اللَّه عنه قال : سمعتُ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « قال اللَّه تعالى : يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعوْتَني وَرَجوْتَني غَفَرْتُ لَكَ عَلى ما كَانَ مِنكَ ولا أُبَالِي ، يا ابن آدمَ ، لَوْ بَلغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السماءِ ، ثم اسْتَغْفَرْتَني غَفَرتُ لَكَ ، يَا ابْنَ آدَم ، إِنَّكَ لَو أَتَيْتَني بِقُرابٍ الأَرْضِ خطايا ، ثُمَّ لَقِيْتَني لا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً ، لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً » رواه الترمذي . وقال : حديث حسن .
« عَنَانُ السماءِ » بفـتح العين ، قيل : هو مَا عن لَكَ منها ، أي : ظَهَرَ إذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ، وقيلَ : هو السَّحَابُ .
و « قُرابُ الأرض»بضم القاف ، وقيلَ بكسرِها ، والضم أصح وأشهر، وهو:ما يقارِبُ مِلأَهَا ،واللَّه أعلم .

53- باب الجمع بين الخوف والرجاء
اعلم أن المختار للعبد في حال صحته أن يكون خائفاً راجياً، ويكون خوفه ورجاؤه سواء، وفي حال المرض يُمَحِّضُ الرجاء. وقواعد الشرع من نصوص الكتاب والسنة وغير ذلك متظاهرة على ذلك.
قال اللَّه تعالى:  { فلا يأمن مكر اللَّه إلا القوم الخاسرون } .
وقال تعالى:  { إنه لا ييأس من روح اللَّه إلا القوم الكافرون } .
وقال تعالى:  { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } .
وقال تعالى:  { إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم } .
وقال تعالى:  { إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم } .
وقال تعالى:  { فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وأما من خفت موازينه فأمه هاوية } . والآيات في هذا المعنى كثيرة. فيجتمع الخوف والرجاء في آيتين مقترنتين أو آيات أو آية.
443- وعن أبي هريرة . رضي اللَّه عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العُقُـوبَةِ . ما طَمِعَ بجَنَّتِهِ أَحَدٌ ، وَلَوْ يَعْلَمُ الكافِرُ مَا عِنَد اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ ، مَا قَنطَ مِنْ جنَّتِهِ أَحَدٌ » رواه مسلم .
444- وعن أبي سَعيد الخدرِيِّ ، رضي اللَّه عَنه ، أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إذا وُضِعتِ الجَنَازَةُ واحْتمَلَهَا النَّاسُ أَو الرِّجالُ عَلى أَعْنَاقِهمِ ، فَإِنْ كانَتْ صالِحَةً قالَتْ : قَدِّمُوني قَدِّمُوني ، وَإنْ كانَتْ غَير صالحةٍ ، قالَتْ : يا ويْلَهَا ، أَيْنَ تَذْهَبُونَ بَها ؟ يَسْمَعُ صَوتَها كُلُّ شيءٍ إلاَّ الإِنْسَانُ ، وَلَوْ سَمِعَهُ لَصَعِقَ » رواه البخاري .
445- وعن ابن مسعودٍ ، رضي اللَّه عنه ، قالَ : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « الجَنَّةُ أَقْرَبُ إلى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِه وَالنَّارُ مِثْلُ ذلك » رواه البخاري .
54- باب فضل البكاء خشية الله تعالى وشوقاً إليه
قال اللَّه تعالى:  { ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً } .
وقال تعالى:  { أفمن هذا الحديث تعجبون، وتضحكون ولا تبكون! } .
446- وعَن أبي مَسعودٍ ، رضي اللَّه عنه . قالَ : قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «اقْرَأْ علَّي القُرآنَ » قلتُ : يا رسُولَ اللَّه ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟، قالَ : « إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي » فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء ، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية : { فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً }  [ الآية : 41 ] قال : « حَسْبُكَ الآنَ » فَالْتَفَتَّ إِليْهِ . فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ . متفقٌ عليه .
447- وعن أنس ، رضي اللَّه عنه ، قالَ : خَطَبَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ ، فقالَ : « لَوْ تعْلمُونَ ما أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كثيراً» قال : فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم . وُجُوهَهُمْ . ولهمْ خَنِينٌ . متفقٌ عليه . وَسَبَقَ بيَانُهُ في بابِ الخَوفِ .
448- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه ، قال : قالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لاَيَلِجُ النَّارَ رَجْلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّه حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْع وَلا يَجْتَمعُ غُبَارٌ في سَبِيلِ اللَّه ودُخانُ جَهَنَّمَ » رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ صحيحٌ .
449- وعنه قالَ : قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ : إِمامٌ عادِلٌ ، وشابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّه تَعالى . وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّق بالمَسَاجِدِ . وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه . اجتَمَعا عَلَيهِ . وتَفَرَّقَا عَلَيهِ ، وَرَجَلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمالٍ . فَقَالَ : إِنّي أَخافُ اللَّه . ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةَ فأَخْفاها حتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمالهُ ما تُنْفِقُ يَمِينهُ . ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» متفقٌ عليه .
450- وعَن عبد اللَّه بنِ الشِّخِّير . رضي اللَّه عنه . قال : أَتَيْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُو يُصلِّي ولجوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ .
حديث صحيح رواه أبو داود . والتِّرمذيُّ في الشَّمائِل بإِسنادٍ صحيحٍ .
451- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه . قالَ : قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، لأَبِيِّ بنِ كَعْبٍ . رضي اللَّه عنه : « إِنَّ اللَّه ، عَزَّ وجَلَّ ، أَمْرَني أَنْ أَقْرَأَ علَيْكَ : لَمْ يَكُن الَّذِينَ كَفَرُوا » قَالَ : وَسَمَّاني ؟ قال : « نَعَمْ » فَبَكى أُبَيٌّ . متفقٌ عليه . وفي رواية: فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكي.
452- وعنه قالَ : قالَ أَبو بَكْرٍ لعمرَ ، رضي اللَّه عنهما . بعدَ وفاةِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : انْطَلِقْ بِنا إلى أُمِّ أَيمنَ . رضي اللَّه عنها . نَزُورُها كما كَانَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، يَزُورُها . فَلَمَّا انْتَهَيا إِليْها بَكَتْ . فقَالا لها : ما يُبْكِيكِ ؟ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّه تعالى خَيْرٌ لِرَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قالَتْ : إِني لاَ أَبْكِي ، أَنِّي لأَعْلَمُ أَنَّ ما عنْدَ اللَّه خَيرٌ لِرَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، ولكِنِّي أَبْكِي أَنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّماءِ فَهَيَّجَتْهُما عَلى البُكاءِ ، فَجَعَلا يَبْكِيانِ مَعهَا رواهُ مسلم. وقد سبق في باب زيارَةِ أَهل الخير .
453- وعن ابن عَمَر ، رضي اللَّه عنهما ، قال : « لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَجَعُهُ قيلَ لَهُ في الصَّلاَةِ فقال : « مُرُوا أَبا بَكْرِ فَلْيُصَلِّ بالنَّاسِ » فقالتْ عائشةُ ، رضي  اللَّه عنها: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقيقٌ إِذا قَرَأَ القُرآنَ غَلَبَهُ البُكاءُ » فقال : « مُرُوهُ فَلْيُصَلِّ » .
وفي رواية عن عائشةَ ، رضي اللَّه عنها ، قالَتْ : قلتُ : إِنَّ أَبا بَكْرٍ إِذا قَامَ مقامَكَ لَم يُسْمع النَّاس مِنَ البُكَاءِ . متفقٌ عليه .
454- وعن إِبراهيمَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ أَنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عَوْفٍ ، رَضيَ اللَّه عنهُ أُتِيَ بطَعامٍ وكانَ صائماً ، فقالَ : قُتِلَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيرٍ ، رضيَ اللَّه عنه ، وهُوَ خَيْرٌ مِنِّي ، فَلَمْ يُوجَدْ لَه ما يُكَفَّنُ فيهِ إِلاَّ بُرْدَةٌ إِنْ غُطِّي بِها رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاُه ، وإِنْ غُطِّيَ بها رِجْلاه بَدَا رأْسُهُ ، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا ما بُسِطَ أَوْ قالَ : أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيا مَا أُعْطِينَا قَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنا عُجِّلَتْ لَنا . ثُمَّ جَعَلَ يبْكي حَتَّى تَرَكَ الطَّعامَ . رواهُ البخاري .
455- وعن أبي أُمامة صُدَيِّ بْنِ عَجلانَ الباهِليِّ ، رضيَ اللَّه عنه ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « لَيْسَ شَيءٌ أَحَبَّ إِلى اللَّه تعالى من قَطْرَتَين . وأَثَرَيْنِ : قَطْرَةُ دُمُوعٍ من خَشيَةِ اللَّه وَقَطرَةُ دَمٍ تُهرَاقُ في سَبِيلِ اللَّه تعالى ، وأما الأثران فأثر في سبيل الله تعـالى وَأَثَرٌ في فَرِيضَةٍ منْ فَرَائِضِ اللَّه تعالى » رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .
وفي البابِ أحاديثُ كثيرةٌ ، منها :
456- حديث العْرباض بنِ ساريةَ . رضي اللَّه عنه ، قال : وعَظَنَا رسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَوْعِظَةً وَجِلَتْ منها القُلُوبُ ، وذَرَفْت منْهَا العُيُونُ » . وقد سبق في باب النهي عن البدع.

55- باب فضل الزهد في الدنيا
والحث على التقلل منهاوفضل الفقر
قال اللَّه تعالى:  { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام، حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازَّيَّنَتْ وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس، كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون } .
وقال تعالى: { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح، وكان اللَّه على كل شيء مقتدراً. المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً } .
وقال تعالى:  { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث أعجب الكفار نباته، ثم يهيج فتراه مصفراً، ثم يكون حطاماً، وفي الآخرة عذاب شديد، ومغفرة من اللَّه ورضوان، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } .
وقال تعالى:  { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن المآب } .
وقال تعالى:  { يا أيها الناس إن وعد اللَّه حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور } .
وقال تعالى:  { ألهاكم التكاثر، حتى زرتم المقابر، كلا سوف تعلمون، ثم كلا سوف تعلمون، كلا لو تعلمون علم اليقين } .
وقال تعالى:  { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب، وإن الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون } . والآيات في الباب كثيرة مشهورة.
وأما الأحاديث فأكثر من أن تحصر فننبه بطرف منها على ما سواه:
457- عن عمرو بنِ عوفٍ الأَنْصاريِّ . رضي اللَّه عنه ، أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بَعَثَ أَبا عُبيدةَ بنَ الجرَّاحِ ، رضي اللَّه عنه ، إلى البَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجزْيَتِهَا فَقَدمَ بِمالٍ منَ البحْرَينِ ، فَسَمِعَت الأَنصَارُ بقُدومِ أبي عُبَيْدَةَ ، فوافَوْا صَلاةَ الفَجْرِ مَعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَلَمَّا صَلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، انْصَرَفَ ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ ، فَتَبَسَّمَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حِينَ رَآهُمْ ، ثُمَّ قال : «أَظُنُّكُم سَمِعتُم أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيء مِنَ الْبَحْرَيْنِ » فقالوا : أَجَل يا رسول اللَّه ، فقــال: « أَبْشِرُوا وأَمِّلُوا ما يَسرُّكُمْ ، فواللَّه ما الفقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ . وَلكنّي أَخْشى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُم كما بُسطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا . فَتَهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ » متفقٌ عليه .
458- وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ ، رضيَ اللَّه عنه . قالَ : جَلَسَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلى المِنْبَرِ ، وَجَلسْنَا حَوْلَهُ.فقال:« إِنَّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُم مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِن زَهْرَةِ الدُّنيَا وَزيَنتهَا » متفقٌ عيه.
459- عنه أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قال : « إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّه تَعالى مُسْتَخْلِفكُم فِيهَا ، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْملُونَ فاتَّقُوا الدُّنْيَا واتَّقُوا النِّسَاءِ » رواه مسلم .
460- وعن أَنسٍ رضيَ اللَّه عنه . أَنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَةِ » متفقٌ عليه .
461- وعنهُ عن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ : أَهْلُهُ وَمالُهُ وَعَمَلُهُ : فَيَرْجِعُ اثْنَانِ . وَيَبْقَى وَاحدٌ : يَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ » متفقٌ عليه .
462- وعنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يُؤْتِيَ بَأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِن أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ : يا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خيراً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعيمٌ قَطُّ ؟ فيقول : لا واللَّه يارَبِّ. وَيُؤْتِى بأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْساً في الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : يا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْساً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةُ قَطُّ ؟ فيقولُ : لا ، وَاللَّه ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ ، وَلا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ » رواه مسلم .
463- وعن المُسْتَوْردِ بنِ شدَّادٍ رَضِيَ اللَّه عنه ، قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : مَا الدُّنْيَا في الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحدُكُمْ أُصْبُعَهُ في الْيَمِّ . فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ؟» رواه مسلم .
464- وعن جابرٍ ، رضِيَ اللَّه عنهُ أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَرَّ بِالسُّوقِ وَالنَّاسُ كتفَيْهِ ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ ، فَتَنَاوَلَهُ ، فَأَخَذَ بَأُذُنِهِ ، ثُمَّ قال : « أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟» فَقالوا : مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ ؟ ثم قال : « أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟ قَالُوا : وَاللَّه لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْباً ، إِنَّهُ أَسَكُّ . فكَيْفَ وَهو مَيَّتٌ ، فقال : « فَوَ اللَّه للدُّنْيَا أَهْونُ عَلى اللَّه مِنْ هذا عَلَيْكُمْ » رواه مسلم.
      قوله « كَتفَيْهِ » أَيْ : عن جانبيه . و « الأَسكُّ » الصغير الأُذُن .
465- وعن أبي ذرٍّ رَضِيَ اللَّه عنه ، قال : كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، في حَرَّةٍ بالمدينة ، فَاسْتَقْبلَنَا أَحُدٌ فقال : « يا أَبَا ذَرٍّ » . قلت : لَبَّيْكَ يا رسول اللَّه . فقال : « مَا يَسُرُّني أَنَّ عِنْدِي مِثل أَحُدٍ هذا ذَهباً تَمْضِي عَلَيَّ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ وعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ ، إِلاَّ شَيْءٌ أَرْصُدُهُ لِدَيْنِ ، إِلاَّ أَنْ أَقُولَ بِهِ في عِبَاد اللَّه هكَذَا وَهَكَذا » عن يَمِينهِ وعن شماله ومن خلفه ، ثم سار فقال : « إِنَّ الأَكثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَومَ القيامةِ إِلاَّ مَنْ قَالَ بالمَالِ هكذَا وهكذا » عن يمينهِ ، وعن شمالهِ ، ومِنْ خَلفه « وَقَليلٌ مَا هُمْ » . ثم قال لي : « مَكَانَك لا تَبْرَحْ حَتَّى آتيَكَ » . ثم انْطَلَقَ في سَوَادِ اللَّيْلِ حتى تَوَارَى ، فسمِعْتُ صَوْتاً قَدِ ارْتَفَعَ، فَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ عَرَضَ للنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ فَذَكَرْتُ قوله : « لا تَبْرَحْ حَتَّى آتيَكَ » فلم أَبْرَحْ حَتَّى أَتَاني ، فَقُلْتُ : لقد سَمِعْتُ صَوتاً تَخَوَّفْتُ منه ، فَذَكَرْتُ له . فقال: « وَهَلْ سَمِعْتَهُ ؟ » قلت : نَعَم ، قال : « ذَاكَ جِبريلُ أَتاني فقال : مَن ماتَ مِنْ أُمتِكَ لايُشرِكُ باللَّه شَيئاً دَخَلَ الجَنَّةَ ، قلتُ : وَإِنْ زَنَي وَإِنْ سَرَقَ ؟ قال : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ » متفقٌ عليه . وهذا لفظ البخاري .
466- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه ، عنْ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لو كان لي مِثلُ أُحُدٍ ذَهَباً ، لَسرَّني أَنْ لا تَمُرَّ علَيَّ ثَلاثُ لَيَالٍ وَعِندِي منه شَيءٌ إلاَّ شَيءٌ أُرْصِدُه لِدَينٍ » متفقٌ عليه .
467- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : انْظُرُوا إلى منْ هَوَ أَسفَلُ منْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إلى مَنْ فَوقَكُم فهُوَ أَجْدرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَليْكُمْ » متفقٌ عليه وهذا لفظ مسلمٍ .
وفي رواية البخاري ، « إِذا نَظَر أَحَدُكُمْ إلى مَنْ فُضلَ عليهِ في المالِ وَالخَلْقِ فلْينْظُرْ إلى مَنْ هو أَسْفَلُ مِنْهُ » .
468- وعنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « تَعِسَ عبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالقطيفَةِ وَالخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعطِيَ رضي ، وَإِنْ لَمْ يُعطَ لَمْ يَرْضَ » رواه البخاري .
469- وعنه ، رضي اللَّه عنه ، قال : لقَدْ رَأَيْتُ سبعِين مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ ، ما منْهُم رَجُلٌ عليه رداءٌ ، إِمَّا إِزَارٌ ، وإِمَّا كِسَاءٌ ، قدْ ربطُوا في أَعْنَاقِهِمْ ، فَمنْهَا مَا يبْلُغُ نِصفَ السَّاقَيْن . ومنْهَا ما يَبْلُغُ الكَعْبينِ . فَيجْمَعُهُ بيدِه كراهِيَةَ أَنْ تُرَى عوْرتُه » رواه البخاري .
470- وعنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ وجنَّةُ الكَافِرِ» رواه مسلم .
471- وعن ابن عمر ، رضي اللَّه عنهما ، قال : أَخَذ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِمَنْكِبَيَّ ، فقال : « كُنْ في الدُّنْيا كأَنَّكَ غريبٌ ، أَوْ عَابِرُ سبيلٍ » .
        وَكَانَ ابنُ عمرَ ، رضي اللَّه عنهما ، يقول : إِذَا أَمْسيْتَ ، فَلا تَنْتظِرِ الصَّباحَ وإِذَا أَصْبحْت ، فَلا تنْتَظِرِ المَساءَ ، وخُذْ منْ صِحَّتِكَ لمرضِكَ ومِنْ حياتِك لِموتكَ . رواه البخاري .
     قالوا في شرح هذا الحديث معناه لا تَركَن إلى الدُّنْيَا ولا تَتَّخِذْهَا وَطَناً ، ولا تُحدِّثْ نَفْسكَ بِطُول الْبقَاءِ فِيهَا ، وَلا بالاعْتِنَاءِ بِهَا ، ولا تَتَعَلَّقْ مِنْهَا إلاَّ بِما يَتَعَلَّقُ بِه الْغَرِيبُ في غيْرِ وطَنِهِ ، ولا تَشْتَغِلْ فِيهَا بِما لا يشتَغِلُ بِهِ الْغرِيبُ الَّذِي يُريدُ الذَّهاب إلى أَهْلِهِ . وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقٌ .
472- وعن أبي الْعبَّاس سَهْلِ بنِ سعْدٍ السَّاعديِّ ، رضي اللَّه عنه ، قال : جاءَ رجُلٌ إلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : فقالَ : يا رسول اللَّه دُلَّني عَلى عمَلٍ إِذا عَمِلْتُهُ أَحبَّني اللَّه ، وَأَحبَّني النَّاسُ ، فقال : « ازْهَدْ في الدُّنيا يُحِبَّكَ اللَّه ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحبَّكَ النَّاسُ » حديثٌ حسنٌ رواه ابن مَاجَه وغيره بأَسانيد حسنةٍ .
473- وعن النُّعْمَانِ بنِ بَشيرٍ ، رضيَ اللَّه عنهما ، قالَ : ذَكَر عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب ، رضي اللَّه عنه ، ما أصاب النَّاسُ مِنَ الدُّنْيَا ، فقال : لَقَدْ رَأَيْتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوي ما يَجِدُ مِنَ الدَّقَل ما يمْلأُ بِهِ بطْنَهُ . رواه مسلم .
« الدَّقَلُ » بفتح الدال المهملة والقاف : رَدِئُ التَّمْرِ .
474- وعن عائشةَ ، رضي اللَّه عنها ، قالت : تُوفِّيَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  ، وما في بَيْتي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلاَّ شَطْرُ شَعيرٍ في رَفٍّ لي ، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَال علَيَّ ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ . متفقٌ عليه .
« شَطْرُ شَعيرٍ » أَي شَيْء مِنْ شَعيرٍ . كَذا فسَّرهُ التِّرمذيُّ .
475- وعن عمر بنِ الحارِث أَخي جُوَيْرِية بنْتِ الحَارثِ أُمِّ المُؤْمِنِينَ ، رضي اللَّه عنهما ، قال : مَا تَرَكَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَاراً وَلا دِرْهَماً ، ولا عَبْداً ، وَلا أَمَةً ، وَلا شَيْئاً إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ الَّتي كَان يَرْكَبُهَا ، وَسِلاحَهُ ، وَأَرْضاً جَعَلَهَا لابْنِ السَّبيِلِ صَدَقَةً » رواه البخاري .
476- وعن خَبَّابِ بنِ الأَرَتِّ ، رضي اللَّه عنه ، قال هَاجَرْنَا مَعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نَلْتَمِسُ وَجهَ اللَّه تعالى فَوَقَعَ أَجْرُنا عَلى اللَّه ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يأْكُلْ مِنْ أَجرِهِ شَيْئاً . مِنْهُم مُصْعَبُ بن عَمَيْر ، رضي اللَّه عنه ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَتَرَكَ نَمِرَةً، فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنا بهَا رَأْسَهُ، بَدَتْ رجْلاهُ ، وَإِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رِجْلَيْهِ ، بَدَا رَأْسُهُ ، فَأَمَرَنا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَنَجْعَلَ عَلى رجْليهِ شَيْئاً مِنَ الإِذْخِرِ ، ومِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ . فَهُوَ يَهدبُهَا، متفقٌ عليه.
     « النَّمِرَةُ » : كسَاء مُلَوَّنٌ منْ صُوفٍ . وقوله : « أينَعَت » أَيْ : نَضَجَتْ وَأَدْرَكَتْ . وقوله : « يَهْدِبُهَا » هو بفتح الباءِ وضم الدال وكسرها . لُغَتَان . أَيْ: يَقْطِفُهَا وَيجْتَنِيهَا وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ لمَا فَتَحَ اللَّه تَعَالى عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّنْيَا وَتَمَكنُوا فيهَا .
477- وعن سَهْلِ بنِ سَعْد السَّاعديِّ ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، مَا سَقَى كَافراً منْها شَرْبَةَ مَاءٍ » رواه الترمذي . وقال حديث حسن  صحيح .
478- وعن أبي هُرَيْرَة رضي اللَّه عنه ، قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلعون مَا فيها ، إِلاَّ ذِكْرَ اللَّه تعالى ، ومَا وَالاَه وَعالماً وَمُتَعلِّماً » .
رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .
479- وعن عَبْدِ اللَّه بنِ مسعودٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا في الدُّنْيا » .
رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .
480- وعن عبدِ اللَّه بنِ عمرو بنِ العاصِ رضي اللَّه عنهما ، قال : مَرَّ عَلَيْنَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَنحنُ نُعالجُ خُصًّا لَنَا فقال : « ما هذا ؟ » فَقُلْنَا : قَدْ وَهِي ، فَنَحْنُ نُصْلِحُه ، فقال : « ما أَرَى الأَمْرَ إِلاَّ أَعْجَلَ مِنْ ذلكَ » .
      رواه أَبو داود ، والترمذيُّ بإِسناد البخاريِّ ومسلم ، وقال الترمذيُّ : حديثٌ حسنٌ صحيحٌ .
481- وعن كَعْبِ بنِ عِيَاضٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فتنةً ، فِتنَةُ أُمَّتي المَالُ » رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
482- وعن أبي عمرو ، ويقالُ : أَبو عبدِ اللَّه ، ويقال : أَبو لَيْلى عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ رضي اللَّه عنه ، أَنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لَيْسَ لابْن آدَمَ حَقٌّ في سِوى هَذِهِ الخِصَال : بَيْتٌ يَسْكُنُهُ ، وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ وَجِلْفُ الخُبز ، وَالمَاءِ » رواه الترمذي وقال : حديث صحيح.
     قال الترمذي : سمعتُ أَبَا داوُدَ سلَيمَانَ بنَ سَالمٍ البَلْخِيَّ يقول : سَمِعْتُ النَّضْر بْنَ شُمَيْلٍ يقولُ : الجلفُ : الخُبزُ لَيْس مَعَهُ إِدَامٌ . وقَالَ : غيرُهُ : هُوَ غَلِيظُ الخُبْزِ . وقَالَ الرَّاوِي : المُرَادُ بِهِ هُنَا وِعَاءُ الخُبزِ ، كالجَوَالِقِ وَالخُرْجِ ،  واللَّه أعلم .
483- وعنْ عبْدِ اللَّه بنِ الشِّخِّيرِ « بكسر الشين والخاءِ المشددةِ المعجمتين» رضي اللَّه عنه ، أَنَّهُ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وهُوَ يَقْرَأُ : { أَلهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } قال: « يَقُولُ ابنُ آدَم: مَالي ، مَالي ، وَهَل لَكَ يَا ابن آدمَ مِنْ مالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلت فَأَفْنيْتَ ، أو لبِستَ فَأَبْلَيْتَ ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضيْتَ ؟» رواه مسلم .
484- وعن عبدِ اللَّه بن مُغَفَّلٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رجُلٌ للنَّبِيِّ ص: يارسولَ اللَّه ، واللَّه إِنِّي لأُحِبُّكَ ، فقال : « انْظُرْ ماذا تَقُولُ ؟ » قال : وَاللَّه إِنِّي لأُحِبُّكَ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، فقال : « إِنْ كُنْتَ تُحبُّني فَأَعِدَّ لَلفقْر تِجْفافاً، فإِنَّ الفَقْر أَسْرَعُ إلى من يُحِبُّني مِنَ السَّيْل إلى مُنْتَهَاهُ » رواه الترمذي وقال حديث حسن.
« التِّجْفَافُ » بكسرِ التاءِ المثناةِ فوقُ وإسكان الجيم وبالفاءِ المكررة ، وَهُوَ شَيْءُ يَلْبِسُهُ الفَرسُ ، لِيُتَّقَى بِهِ الأَذَى ، وَقَدْ يَلْبَسُهُ الإِنْسَانُ .
485- وعن كَعبِ بنِ مالكٍ ، رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَاذِئْبَان جَائعَانِ أُرْسِلا في غَنَم بأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ على المالِ وَالشـَّرفِ لِدِينهِ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
486- وعن عبدِ اللَّه بن مَسْعُودٍ رضي اللَّه عنه ، قال : نَامَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم على حَصيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ ، قُلْنَا : يا رَسُولَ الَّه لوِ اتَّخَذْنَا لكَ وِطَاءً ، فقال : « مَالي وَلَلدُّنْيَا ؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا » .
     رواه الترمذي وقال :  حديث حسن صحيح
487- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه ، قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يَدْخُلُ الفُقَراءُ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمائَةِ عَامٍ » رواه الترمذي وقال : حديث صحيح .
488- وعن ابن عَبَّاسِ ، وعِمْرَانَ بن الحُصَيْن ، رضي اللَّه عنهم ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « آطَّلعْتُ في الجَنَّةِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهلِهَا الفُقَراءَ . وَاطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّساءَ » متفقٌ عليه . من رواية ابن عباس .
ورواه البخاري أيْضاً من روايةِ عِمْرَان بنِ الحُصَينِ ..
489- وعن أُسامةَ بنِ زيدٍ رضيَ اللَّه عنهما ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « قُمْتُ عَلى بَاب الجَنَّةِ ، فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا المَساكينُ . وأَصَحَابُ الجِدِّ محبُوسُونَ ، غَيْرَ أَنَّ أَصحَابَ النَّار قَد أُمِرَ بِهمْ إلى النَّارِ » متفقٌ عليه .
و « الجَدُّ » الحَظُّ وَالغِنَى . وقد سبق بيان هذا الحديث في باب فضلِ الضَّعَفَةِ.
490- وعن أبي هريرة ، رضي اللَّه عنه ، عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ :
أَلا كُلُّ شيْءٍ ما خَلا اللهَ بَاطِلُ      متفقٌ عليه .

56- باب فضل الجوع وخشونة العيش
والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات
قال اللَّه تعالى:  { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً، إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً، فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً } .
وقال تعالى:  { فخرج على قومه في زينته، قال الذين يريدون الحياة الدنيا: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم. وقال الذين أوتوا العلم: ويلكم! ثواب اللَّه خير لمن آمن وعمل صالحاً } .
وقال تعالى:  { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } .
وقال تعالى: { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد، ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً } . والآيات في الباب كثيرة معلومة.
491- وعن عائشةَ ، رضي اللَّه عنها ، قالت : ما شَبعَ آلُ مُحمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ . متفقٌ عليه .
وفي رواية : مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّد صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُنْذُ قَـدِمَ المَدِينةَ مِنْ طَعامِ البرِّ ثَلاثَ لَيَال تِبَاعاً حَتَّى قُبِض .
492- وعن عُرْوَةَ عَنْ عائشة رضي اللَّه عنها ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ : وَاللَّه يا ابْنَ أُخْتِي إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إلى الهِلالِ ثمَّ الهِلالِ . ثُمَّ الهلالِ ثلاثةُ أَهِلَّةٍ في شَهْرَيْنِ . وَمَا أُوقِدَ في أَبْيَاتِ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نارٌ . قُلْتُ : يَا خَالَةُ فَمَا كَانَ يُعِيشُكُمْ ؟ قالتْ : الأَسْوَدَانِ : التَّمْرُ وَالمَاءُ إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لرسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم جِيرانٌ مِنَ الأَنْصَـارِ . وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَايحُ وَكَانُوا يُرْسِلُونَ إلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ أَلبانها فَيَسْقِينَا . متفقٌ عليه .
493- وعن أبي سعيدٍ المقْبُريِّ عَنْ أبي هُرَيرةَ رضي اللَّه عنه . أَنه مَرَّ بِقَوم بَيْنَ أَيْدِيهمْ شَاةٌ مَصْلِيةٌ . فَدَعَوْهُ فَأَبى أَنْ يَأْكُلَ ، وقال : خَرج رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم من الدنيا ولمْ يشْبعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ . رواه البخاري .
« مَصْلِيَّةٌ » بفتحِ الميم : أَيْ : مَشْوِيةٌ .
494- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه ، قال : لمْ يأْكُل النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم على خِوَانٍ حَتَّى مَات ، وَمَا أَكَلَ خُبزاً مرَقَّقاً حَتَّى مَاتَ . رواه البخاري.
        وفي روايةٍ له : وَلا رَأَى شَاةَ سَمِيطاً بِعَيْنِهِ قطُّ .
495- وعن النُّعمانِ بن بشيرٍ رضي اللَّه عنهما قال : لقد رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وما يَجِدُ مِنْ الدَّقَلِ ما يَمْلأُ به بَطْنَهُ ، رواه مسلم .
الدَّقَلُ : تمْرٌ رَدِيءٌ .
496- وعن سهل بن سعدٍ رضي اللَّه عنه ، قال : ما رَأى رُسولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم النّقِيُّ منْ حِينَ ابْتعَثَهُ اللَّه تعالى حتَّى قَبَضَهُ اللَّه تعالى ، فقيل لَهُ هَلْ كَانَ لَكُمْ في عهْد رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَنَاخلُ ؟ قال : ما رأى رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُنْخَلاَ مِنْ حِينَ ابْتَعثَهُ اللَّه تَعَالَى حَتَّى قَبَضُه اللَّه تعالى ، فَقِيلَ لهُ : كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غيرَ منْخُولٍ ؟ قال : كُنَّا نَطْحُنَهُ ونَنْفُخُهُ ، فَيَطيرُ ما طارَ ، وما بَقِي ثَرَّيْناهُ . رواه البخاري .
       قوله : « النَّقِيّ » : هو بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياءِ . وهُوَ الخُبْزُ الحُوَّارَى ، وَهُوَ : الدَّرْمَكُ ، قوله : « ثَرَّيْنَاهُ » هُو بثاءٍ مُثَلَّثَةٍ ، ثُمَّ رَاءٍ مُشَدَّدَةٍ ، ثُمَّ ياءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تحت ثُمَّ نون ، أَيْ : بَلَلْناهُ وعَجَنَّاهُ .
497- وعن أبي هُريرةَ رضي اللَّه عنه قال : خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ذاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ ، فَإِذا هُوَ بِأَبي بكْرٍ وعُمَرَ رضي اللَّه عنهما ، فقال : « ما أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُما هذِهِ السَّاعَةَ؟» قالا : الجُوعُ يا رَسولَ اللَّه . قالَ : « وَأََنا ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لأَخْرَجَني الَّذِي أَخْرَجَكُما . قُوما » فقَاما مَعَهُ ، فَأَتَى رَجُلاً مِنَ الأَنْصارِ ، فَإِذَا هُوَ لَيْسَ في بيتهِ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ المرَأَةُ قالَتْ : مَرْحَباً وَأَهْلاً . فقال لها رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَيْنَ فُلانٌ » قالَتْ : ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا الماءَ ، إِذْ جاءَ الأَنْصَاريُّ ، فَنَظَرَ إلى رَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَصَاحِبَيْهِ ، ثُمَّ قالَ: الحَمْدُ للَّه ، ما أَحَدٌ اليَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيافاً مِنِّي فانْطَلقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وتَمْرٌ ورُطَبٌ ، فقال : كُلُوا ، وَأَخَذَ المُدْيَةَ ، فقال لَهُ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِيَّاكَ وَالحَلُوبَ » فَذَبَحَ لَهُمْ ، فَأَكلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذلكَ العِذْقِ وشَرِبُوا . فلمَّا أَنْ شَبعُوا وَرَوُوا قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لأَبي بكرٍ وعُمَرَ رضي اللَّه عنهما : « وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هذَا النَّعيمِ يَوْمَ القِيامَةِ ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الجُوعُ ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هذا النَّعِيمُ » رواه مسلم .
       قَوْلُها : « يَسْتَعْذبُ » أَيْ : يَطْلبُ الماءَ العَذْبَ ، وهُوَ الطَّيبُ . و « العِذْقُ » بكسر العين وإسكان الذال المعجمة : وَهُو الكِباسَةُ ، وهِيَ الغُصْنُ . و « المُدْيةُ » بضم الميم وكسرِها : هي السِّكِّينُ . و « الحلُوبُ » ذاتُ اللبَن . وَالسؤالُ عَنْ هذا النعِيم سُؤالُ تَعدِيد النِّعَم لا سُؤالُ توْبيخٍ وتَعْذِيبٍ . واللَّهُ أَعْلَمُ وهذا الأنصارِيُّ الَّذِي أَتَوْهُ هُوَ أَبُو الهَيْثمِ بنُ التَّيِّهان رضي اللَّه عنه ،كَذا جاءَ مُبَيناً في روايةِ الترمذي وغيره .
498- وعن خالدِ بنِ عُمَرَ العَدَويِّ قال : خَطَبَنَا عُتْبَةُ بنُ غَزْوانَ ، وكانَ أَمِيراً عَلى البَصْرَةِ ، فَحمِدَ اللَّه وأَثْنى عليْهِ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَا بعْدُ ، فَإِنَّ الدُّنْيَا آذَنَتْ بصُرْمٍ ، ووَلَّتْ حَذَّاءَ ، وَلَمْ يَبْقَ منها إِلاَّ صُبَابَةٌ كَصُبابةِ الإِناءِ يتصابُّها صاحِبُها ، وإِنَكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْها إلى دارٍ لا زَوالَ لهَا ، فانْتَقِلُوا بِخَيْرِ ما بِحَضْرَتِكُم فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنا أَنَّ الحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفِير جَهَنَّمَ فَيهْوى فِيهَا سَبْعِينَ عاماً لا يُدْركُ لَها قَعْراً ، واللَّهِ لَتُمْلأَنَّ .. أَفَعَجِبْتُمْ ،؟ ولَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ ما بَيْنَ مِصْراعَيْنِ مِنْ مَصاريعِ الجَنَّةِ مَسيرةَ أَرْبَعِينَ عاماً ، وَلَيَأْتِينَّ عَلَيها يَوْمٌ وهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحامِ ، وَلَقَدْ رأَيتُني سابعَ سبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مالَنا طَعامٌ إِلاَّ وَرَقُ الشَّجَرِ ، حتى قَرِحَتْ أَشْداقُنا ، فالْتَقَطْتُ بُرْدَةً فشَقَقْتُها بيْني وَبَينَ سَعْدِ بنِ مالكٍ فَاتَّزَرْتُ بنِصْفِها، وَاتَّزَر سَعْدٌ بنِصفِها ، فَمَا أَصْبَحَ اليَوْم مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ أَصْبَحَ أَمِيراً عَلى مِصْرٍ مِنْ الأَمْصَارِ . وإِني أَعُوذُ باللَّهِ أَنْ أَكْونَ في نَفْسي عَظِيماً . وعِنْدَ اللَّهِ صَغِيراً . رواهُ مسلم .
       وله : « آذَنَتْ » هُوَ بَمدِّ الأَلِفِ ، أَيْ : أَعْلَمَتْ . وقوله :  « بِصُرْمٍ » : هو بضم الصاد . أي : بانْقطاعِها وَفَنائِها . وقوله « ووَلَّتْ حَذَّاءَ » هو بحاءٍ مهملةٍ مفتوحةٍ ، ثُمَّ ذال معجمة مشدَّدة ، ثُمَّ أَلف ممدودَة . أَيْ : سَريعَة وَ « الصُّبابةُ » بضم الصاد المهملة : وهِي البقِيَّةُ اليَسِيرَةُ . وقولُهُ : « يَتَصابُّها » هو بتشديد الباءِ . أَيْ : يجْمَعُها . و الكَظِيظُ : الكثيرُ المُمْتَلئُ . وقوله : « قَرِحَتْ » هو بفتحِ القاف وكسر الراءِ ، أَيْ : صارَتْ فِيهَا قُرُوحٌ .
499- وعن أبي موسى الأَشْعَريِّ رضي اللَّهُ عنه قال : أَخْرَجَتْ لَنا عائِشَةُ رضي اللَّهُ عنها كِساء وَإِزاراً غَلِيظاً قالَتْ : قُبِضَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  في هذين . متفقٌ عليه.
500- وعنْ سَعد بن أبي وَقَّاصٍ . رضيَ اللَّه عنه قال : إِنِّي لأَوَّلُ العَربِ رَمَى بِسَهْمِ في سَبِيلِ اللَّهِ ، وَلَقَدْ كُنا نَغْزُو مَعَ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ما لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الحُبْلَةِ . وَهذا السَّمَرُ . حَتى إِنْ كانَ أَحَدُنا لَيَضَعُ كما تَضَعُ الشاةُ مالَهُ خَلْطٌ . متفقٌ عليه .
  « الحُبْلَةِ » بضم الحاءِ المهملة وإِسكانِ الباءِ الموحدةِ : وهي والسَّمُرُ ، نَوْعانِ مَعْروفانِ مِنْ شَجَرِ البَادِيَةِ .
501- وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه . قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «اللَّهُمَّ اجْعَلْ رزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتاً » متفقٌ عليه .
قال أَهْلُ اللُّغَة والْغَرِيبِ : معْنَى « قُوتاً » أَيْ مَا يَسدُّ الرَّمَقَ .
502- وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه قال : واللَّه الذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ، إِنْ كُنْتُ لأعَتمِدُ بِكَبِدِي على الأَرْضِ مِنَ الجُوعِ ، وإِنْ كُنْتُ لأشُدُّ الحجَرَ على بَطْني منَ الجُوعِ . وَلَقَدْ قَعَدْتُ يوْماً على طَرِيقهِمُ الذي يَخْرُجُونَ مِنْهُ ، فَمَرَّ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي ، وعَرَفَ ما في وجْهي ومَا في نَفْسِي ، ثُمَّ قال : « أَبا هِرٍّ ،،» قلتُ : لَبَّيْكَ يا رسولَ اللَّه، قال : «الحَقْ » ومَضَى ، فَاتَّبَعْتُهُ ، فدَخَلَ فَاسْتَأْذَنَ ، فَأُذِنَ لي فدَخَلْتُ ، فوَجَدَ لَبَناً في قَدحٍ فقال: « مِنْ أَيْنَ هذَا اللَّبَنُ ؟ » قالوا : أَهْداهُ لَكَ فُلانٌ أَو فُلانة قال : « أَبا هِرٍّ،،» قلتُ : لَبَّيْكَ يا رسول اللَّه ، قال : « الحق إِلى أَهْل الصُّفَّةِ فادْعُهُمْ لي». قال : وأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضيَافُ الإِسْلام ، لا يَأْوُون عَلى أَهْلٍ ، ولا مَالٍ ، ولا على أَحَدٍ، وكانَ إِذَا أَتَتْهُ صدقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ . ولَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئاً ، وإِذَا أَتَتْهُ هديَّةٌ أَرْسلَ إِلَيْهِمْ وأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فيها ، فسَاءَني ذلكَ فَقُلْتُ : وما هذَا اللَّبَنُ في أَهْلِ الصُّفَّةِ ؟ كُنْتَ  أَحَقَّ أَن أُصِيب منْ هذا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا، فَإِذا جاءُوا أَمَرنِي ، فكُنْتُ أَنا أُعْطِيهِمْ ، وما عَسَى أَن يبْلُغَني منْ هذا اللَّبَنِ ، ولمْ يَكُنْ منْ طَاعَةِ اللَّه وطَاعَةِ رسوله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بدٌّ. فأَتيتُهُم فدَعَوْتُهُمْ ، فأَقْبَلُوا واسْتأْذَنوا ، فَأَذِنَ لهُمْ وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ قال : « يا أَبا هِرّ ،، » قلتُ : لَبَّيْكَ يا رسولَ اللَّه ، قال : « خذْ فَأَعْطِهِمْ » قال : فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْت أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يردُّ عليَّ الْقَدَحَ ، فَأُعطيهِ الآخرَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يروَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَليَّ الْقَدحَ ، حتَّى انْتَهَيتُ إِلى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وََقَدْ رَوِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ على يَدِهِ ، فَنَظَرَ إِليَّ فَتَبَسَّمَ ، فقال : « أَبا هِرّ » قلتُ : لَبَّيْكَ يا رسول اللَّه قال : « بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ » قلتُ صَدَقْتَ يا رسولَ اللَّه ، قال : « اقْعُدْ فَاشْرَبْ » فَقَعَدْتُ فَشَربْتُ : فقال : « اشرَبْ » فشَربْت ، فما زال يَقُولُ : « اشْرَبْ » حَتَّى قُلْتُ : لا وَالَّذِي بعثكَ بالحَقِّ ما أَجِدُ لَهُ مسْلَكاً ، قال : « فَأَرِني » فأَعطيْتهُ الْقَدَحَ ، فحمِدَ اللَّه تعالى ، وَسمَّى وَشَربَ « الفَضَلَةَ» رواه البخاري .
503- وعن مُحَمَّدِ بنِ سِيرينَ عن أبي هريرةَ ، رضي اللَّه عنه ، قال : لَقَدْ رأَيْتُني وإِنِيّ لأَخِرُّ فِيما بَيْنَ مِنْبَرِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى حُجْرَةِ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها مَغْشِيّاً عَلَيَّ ، فَيجِيءُُ الجَائي ، فيَضَعُ رِجْلَهُ عَلى عُنُقي ، وَيرَى أَنِّي مَجْنونٌ وما بي مِن جُنُونٍ ، وما بي إِلاَّ الجُوعُ . رواه البخاري .
504- وعن عائشةَ ، رضيَ اللَّه عنها ، قَالَتْ : تُوُفِّيَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ودِرْعُهُ مرْهُونَةٌ عِند يهودِيٍّ في ثَلاثِينَ صاعاً منْ شَعِيرٍ . متفقٌ عليه .
505- وعن أَنس رضي اللَّه عنه قال : رَهَنَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم دِرْعهُ بِشَعِيرٍ ، ومشيتُ إِلى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِخُبْزِ شَعيرٍ ، وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ ، وَلَقَدْ سمِعْتُهُ يقُولُ : « ما أَصْبحَ لآلِ مُحَمَّدٍ صــاعٌ ولا أَمْسَى وَإِنَّهُم لَتِسْعَةُ أَبْيَاتٍ » رواه البخاري .
« الإِهَالَةُ » بكسر الهمزة : الشَّحْمُ الذَّائِبُ . وَالسَّنِخَةُ » بِالنون والخاءِ المعجمة ، وَهِي: المُتَغَيِّرةُ .
506- وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه ، قال : لَقدْ رَأَيْتُ سبْعينَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ ، ما مِنْهُم رَجلٌ عَلَيهِ رِدَاء ، إِمَّا إِزارٌ وإِمَّا كِسَاءٌ ، قَدْ ربطُوا في أَعْنَاقِهم مِنهَا ما يَبْلُغُ نِصفَ السَّاقيْنِ ، وَمِنهَا ما يَبلُغُ الكَعْبَينِ ، فيجمعُهُ بِيَدِهِ كَراهِيَةَ أَن تُرَى عَوْرَتُهُ . رواه البخاري .
507- وعن عائشةَ رضي اللَّه عنها قالت : كَانَ فِرَاشُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِن أدَمٍ حشْوُهُ لِيف . رواه البخاري .
508- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال : كُنَّا جُلُوساً مَعَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذْ جاءَ رَجُلٌ مِن الأَنْصارِ ، فسلَّم علَيهِ ، ثُمَّ أَدبرَ الأَنْصَارِيُّ ، فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يَا أَخَا الأَنْصَارِ ، كَيْفَ أَخِي سعْدُ بنُ عُبادةَ ؟ » فقال : صَالحٌ ، فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ يعُودُهُ مِنْكُمْ ؟ » فَقام وقُمْنا مَعَهُ ، ونَحْنُ بضْعَةَ عشَر ما علَينَا نِعالٌ وَلا خِفَافٌ ، وَلا قَلانِسُ، ولا قُمُصٌ نمشي في تلكَ السِّبَاخِ ، حَتَّى جِئْنَاهُ ، فاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حوله حتَّى دنَا رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَأَصْحابُهُ الَّذِين مَعهُ . رواه مسلم .
509- وعن عِمْرانَ بنِ الحُصَينِ رضي اللَّه عنهما ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنه قال : « خَيْرُكُمْ قَرنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يلوُنَهم ، ثُمَّ الَّذِينَ يلُونَهُم » قال عِمرَانُ : فَمَا أَدري قال النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَرَّتَيْن أو ثَلاثاً « ثُمَّ يَكُونُ بَعدَهُمْ قَوْمٌ يشهدُونَ ولا يُسْتَشْهَدُونَ ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَنْذِرُونَ وَلا يُوفُونَ ، وَيَظْهَرُ فِيهمْ السِّمَنُ » متفقٌ عليه.
510- وعن أبي أُمامة رضي اللَّه عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يا ابْنَ آدمَ : إِنَّكَ إِنْ تَبْذُل الفَضلَ خَيْرٌ لَكَ ، وَأَن تُمْسِكهُ شرٌّ لَكَ ، ولا تُلامُ عَلى كَفَافٍ، وَابدأ بِمنْ تَعُولُ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
511- وعن عُبَيد اللَّه بِن مِحْصَنٍ الأَنْصارِيِّ الخَطْمِيِّ رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « منْ أَصبح مِنكُمْ آمِناً في سِرْبِهِ ، معافى في جَسدِه ، عِندهُ قُوتُ يَومِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحذافِيرِها . رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .
« سِرْبِهِ » بكسر السين المهملة ، أَي : نَفْسِهِ ، وقِيلَ : قَومِه .
512- وعن عبدِ اللَّه بن عمرو بنِ العاصِ رضي اللَّه عنهما ، أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « قَدْ أَفَلَحَ مَن أَسلَمَ ، وكَانَ رِزقُهُ كَفَافاً ، وَقَنَّعَهُ اللَّه بِمَا آتَاهُ » رواه مسلم.
513- وعن أبي مُحَمَّد فَضَالَةَ بنِ عُبَيْد الأَنْصَارِيِّ رضي اللَّه عنه ، أَنَّهُ سَمِعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : « طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلى الإِْسلام ، وَكَانَ عَيْشهُ كَفَافاً ، وَقَنِعَ » رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسن صحيح .
514- وعن ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما قال : كان رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَبِيتُ اللَّيَالِيَ المُتَتَابِعَةَ طَاوِياً ، وَأَهْلُهُ لا يَجِدُونَ عَشاءَ ، وَكَانَ أَكْثَرُ خُبْزِهِمْ خُبْز الشَّعِيرِ. رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ صحيح .
515- وعن فضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ رضي اللَّه عنه ، أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كَانَ إِذَا صَلَّى بِالنَّاسِ يَخِرُّ رِجَالٌ مِنْ قَامَتِهِمْ في الصَّلاةِ مِنَ الخَصَاصةِ وَهُمْ أَصْحابُ الصُّفَّةِ حَتَّى يَقُولَ الأَعْرَابُ : هُؤُلاءِ مَجَانِينُ ، فَإِذَا صلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم انْصَرفِ إِلَيْهِمْ ، فقال : « لَوْ تَعْلَمُونَ ما لَكُمْ عِنْدَ اللَّه تعالى ، لأَحْبَبْتُمْ أَنْ تَزْدادُوا فَاقَةً وَحَاجَةً» رواه الترمذي ، وقال حديثٌ صحيحٌ.
« الخَصاصَةُ » : الْفَاقَةُ والجُوعُ الشَّديدُ .
516- وعن أبي كَريمَةَ المِقْدامِ بن معْدِ يكَرِب رضي اللَّه عنه قال : سمِعتُ رسول اللَّه  صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقَولُ : « مَا ملأَ آدمِيٌّ وِعَاءً شَرّاً مِنْ بَطنِه ، بِحسْبِ ابن آدمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبُهُ ، فإِنْ كَانَ لا مَحالَةَ ، فَثلُثٌ لطَعَامِهِ ، وثُلُثٌ لِشرابِهِ ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ » .
رواه الترمذي وقال : حديث حسن . « أُكُلاتٌ » أَيْ : لُقمٌ .
517- وعن أبي أُمَامَةَ إِيَاسِ بنِ ثَعْلَبَةَ الأَنْصَارِيِّ الحارثيِّ رضي اللَّه عنه قال : ذَكَرَ أَصْحابُ رَسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يوْماً عِنْدَهُ الدُّنْيَا ، فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَلا تَسْمَعُونَ ؟ أَلا تَسْمَعُونَ ؟ إِنَّ الْبَذَاذَة مِن الإِيمَان إِنَّ الْبَذَاذَةَ مِنَ الإِيمَانِ» يعْني: التَّقَحُّلَ . رواه أبو داود .
« الْبَذَاذَةُ » : بِالْبَاءِ المُوَحَّدةِ وَالذَّالَينِ المُعْجمَتَيْنِ ، وَهِيَ رَثاثَةُ الهَيْئَةِ ، وَتَرْكُ فَاخِرِ اللِّبَاسِ وأَمَّا « التَّقَحُّلُّ » فَبِالْقَافِ والحاء ، قال أَهْلُ اللُّغَة : المُتَقَحِّل : هُوَ الرَّجُلُ الْيَابِسُ الجِلدِ مِنْ خُشُونَةَ الْعَيْشِ ، وَتَرْكِ التَّرَفَّهِ .
518- وعن أبي عبدِ اللَّه جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال : بَعَثَنَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَأَمَّرَ  عَلَينَا أَبَا عُبَيْدَةَ رضي اللَّه عنه ، نتَلَقَّي عِيراً لِقُرَيْشٍ ، وَزَّودَنَا جِرَاباً مِنْ تَمْرٍ لَمْ يجِدْ لَنَا غَيْرَهُ ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدةَ يُعْطِينَا تَمْرةً تَمْرَةً ، فَقِيل : كَيْف كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا ؟ قال : نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِيُّ ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيهَا مِنَ المَاءِ ، فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلى اللَّيْلِ ، وكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصيِّنا الخَبَطَ ، ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالمَاءِ فَنَأْكُلُهُ. قال : وانْطَلَقْنَا على ساَحِلِ البَحْرِ ، فرُفعَ لنَا على ساحِلِ البَحْرِ كهَيْئَةِ الكَثِيبِ الضخم ، فَأَتيْنَاهُ فَإِذا هِي دَابَّةٌ تُدْعى العَنْبَرَ ، فقال أَبُو عُبَيْدَةَ : مَيْتَةٌ ، ثُمَّ قال : لا ، بلْ نحْنُ رسُلُ رسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وفي سبيلِ اللَّه ، وقَدِ اضْطُرِرتمْ فَكلُوا ، فَأَقَمْنَا علَيْهِ شَهْراً ، وَنَحْنُ ثَلاثُمائَة ، حتَّى سَمِنَّا ، ولقَدْ رَأَيتُنَا نَغْتَرِفُ من وقْبِ عَيْنِهِ بالْقِلالِ الدُّهْنَ ونَقْطَعُ منْهُ الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ أَو كقَدْرِ الثَّوْرِ .
       ولَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبيْدَةَ ثَلاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً فأَقْعَدَهُم في وقْبِ عَيْنِهِ وَأَخَذَ ضِلَعاً منْ أَضْلاعِهِ فأَقَامَهَا ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا فمرّ منْ تَحْتِهَا وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لحْمِهِ وَشَائِقَ، فَلمَّا قدِمنَا المديِنَةَ أَتَيْنَا رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَذكْرَنَا ذلكَ له ، فقال : « هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّه لَكُمْ ، فَهَلْ معَكمْ مِنْ لحْمِهِ شَيء فَتطْعِمُونَا ؟ » فَأَرْسلْنَا إلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْهُ فَأَكَلَهُ . رواه مسلم .
       « الجِرَابُ » : وِعاء مِنْ جِلْدٍ مَعْرُوف ، وَهُو بكَسِر الجيم وفتحِها ، والكسرُ أَفْصحُ . قوله : « نَمَصُّهَا » بفتح الميم « والخَبْطَ » وَرَقُ شَجَرٍ مَعْرُوف تَأْكُلُهُ الإِبلُ . « وَالكَثِيبُ » التَّلُّ مِنَ الرَّمْلِ ، « والوَقْبُ » : بفتحِ الواوِ وإِسكان القافِ وبعدهَا باء موحدةٌ ، وَهُو نقرة العيْن « وَالقِلالُ » الجِرَارُ . « والفِدَرُ » بكسرِ الفاءِ وفتح الدال : القِطعُ . « رَحَلَ البَعِيرَ » بتخفيفِ الحاءِ أيْ جعلَ عليه الرحْلَ. و « الْوَشَائق » بالشينِ المعجمةِ والقافِ : اللَّحْمُ الَّذي اقْتُطِعَ ليقَدَّدَ مِنْه ، واللَّه أعلم .
519- وعن أَسْمَاءَ بنْتِ يَزِيدَ رضي اللَّه عنها قالت : كانَ كُمُّ قمِيصِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِلى الرُّصْغِ رواه أبو داود ، والترمذي ، وقال : حديث حسن .
« الرُّصْغُ » بالصادِ والرُّسْغُ بالسينِ أَيضاً : هوَ المُفْصِلُ بينْ الكَفِّ والسَّاعِدِ .
520- وعن جابر رضي اللَّه عنه قال : إِنَّا كُنَّا يَوْم الخَنْدَقِ نَحْفِرُ ، فَعَرضَتْ كُدْيَةٌ شَديدَةٌ فجاءُوا إِلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقالوا : هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضتْ في الخَنْدَقِ . فقال: « أَنَا نَازِلٌ » ثُمَّ قَامَ وبَطْنُهُ معْصوبٌ بِحَجرٍ ، وَلَبِثْنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ لا نَذُوقُ ذَوَاقاً ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم المِعْول ، فَضرَب فعاد كَثيباً أَهْيَلَ ، أَوْ أَهْيَمَ .
   فقلتَ : يا رسولَ اللَّه ائْذَن لي إِلى البيتِ ، فقلتُ لامْرَأَتي : رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم شَيْئاً مافي ذلكَ صبْرٌ فِعِنْدَكَ شَيءٌ ؟ فقالت : عِندِي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ ، فَذَبحْتُ العَنَاقَ ، وطَحَنْتُ الشَّعِيرَ حَتَّى جَعَلْنَا اللحمَ في البُرْمَة ، ثُمَّ جِئْتُ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَالعجِينُ قَدْ انْكَسَرَ والبُرْمَةُ بيْنَ الأَثَافِيِّ قَد كَادَتَ تَنْضِجُ .
فقلتُ : طُعَيِّمٌ لي فَقُمْ أَنْت يا رسولَ اللَّه وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلانِ ، قال : « كَمْ هُوَ ؟» فَذَكَرتُ له فقال : « كثِير طيب ، قُل لَهَا لا تَنْزِع البُرْمَةَ ، ولا الخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتيَ » فقال : « قُومُوا » فقام المُهَاجِرُون وَالأَنْصَارُ ، فَدَخَلْتُ عليها فقلت : وَيْحَكِ جَاءَ النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَالمُهَاجِرُونَ ، وَالأَنْصارُ وَمن مَعَهم ، قالت : هل سأَلَكَ ؟ قلتُ : نعم ، قال : « ادْخُلوا وَلا تَضَاغَطُوا » فَجَعَلَ يَكْسِرُ الخُبْزَ ، وَيجْعَلُ عليهِ اللحمَ ، ويُخَمِّرُ البُرْمَةَ والتَّنُّورَ إِذا أَخَذَ مِنْهُ ، وَيُقَرِّبُ إِلى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ وَيَغْرفُ حَتَّى شَبِعُوا ، وَبَقِيَ مِنه ، فقال: « كُلِي هذَا وَأَهدي ، فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ » متفقٌ عليه .
        وفي روايةٍ : قال جابرٌ : لمَّا حُفِرَ الخَنْدَقُ رَأَيتُ بِالنبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خَمَصاً ، فَانْكَفَأْتُ إِلى امْرَأَتي فقلت : هل عِنْدَكِ شَيْء ، فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خَمَصاً شَدِيداً.
فَأَخْرَجَتْ إِليَّ جِراباً فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ ، داجِنٌ فَذَبحْتُهَا ، وَطَحنتِ الشَّعِير فَفَرَغَتْ إلى فَرَاغِي ، وَقَطَّعْتُهَا في بُرَمتِهَا ، ثُمَّ وَلَّيْتُ إلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَقَالَتْ : لا تفضحْني برسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ومن معَهُ ، فجئْتُه فَسَارَرْتُهُ فقلتُ يا رسول اللَّه ، ذَبَحْنا بُهَيمَةً لَنَا، وَطَحَنْتُ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ ، فَتَعالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ ، فَصَاحَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : « يَا أَهْلَ الخَنْدَق : إِنَّ جابراً قدْ صنَع سُؤْراً فَحَيَّهَلاًّ بكُمْ » فقال النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « لا تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ وَلا تَخْبِزُنَّ عجِينَكُمْ حَتَّى أَجيءَ » . فَجِئْتُ ، وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقْدُمُ النَّاسَ ، حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتي فقالتْ : بِك وَبِكَ ، فقلتُ : قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ . فَأَخْرَجَتْ عجيناً فَبسَقَ فِيهِ وبارَكَ ، ثُمَّ عَمَدَ إِلى بُرْمَتِنا فَبَصَقَ وَبَارَكَ، ثُمَّ قال : « ادْعُ خَابزَةً فلْتَخْبزْ مَعكِ ، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُم وَلا تَنْزلُوها » وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللَّه لأَكَلُوا حَتَّى تَركُوهُ وَانَحرَفُوا ، وإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ ، وَأَنَّ عَجِينَنَا لَيخْبَز كَمَا هُوَ .
       قَوْلُه : « عَرَضَت كُدْيَةٌ » : بضم الكاف وإِسكان الدال وبالياءِ المثناة تحت ، وَهِيَ قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ صُلْبَةٌ مِنَ الأَرْضِ لا يَعْمَلُ فيها الْفَأْسُ . « وَالْكَثِيبُ » أَصْلُهْ تَلُّ الرَّمْلِ ، والمُرَادُ هُنَا: صَارتْ تُراباً ناعِماً ، وَهُوَ مَعْنَى « أَهْيَلَ » . و «الأَثَافي » : الأَحْجَارُ الَّتي يَكُونُ عَلَيْهَا القِدرُ. و « تَضَاغَطُوا » : تَزَاحَمُوا . و « المَجاعَةُ » : الجُوعُ ، وهو بفتحِ الميم . و«الخَمصُ » بفتحِ الخاءِ المعجمة والميم : الجُوعُ . و « انْكَفَأْتُ » : انْقَلَبْتُ وَرَجَعْتُ . و«الْبُهَيمَةُ » بضم الباءِ: تَصغير بَهْمَة ، وَهِيَ الْعنَاقُ بفتح العين و «الدَّاجِنُ » : هي الَّتي أَلِفَتِ الْبيْتَ . و«السُّؤْر » : الطَّعَام الَّذِي يُدْعَى النَّاسُ إَلَيْه وَهُوَ بُالْفارِسيَّةِ ، و«حَيَّهَلا» أي:تَعَالوا . وَقَوْلها « بكَ وَبكَ » أَي : خَاصَمَتْهُ وَسَبَّتْهُ ، لأَنَّهَا اعْتَقْدَت أَنَّ الَّذي عندهَا لا يَكفيهم ، فَاسْتَحْيَتْ وخفي علَيْهَا مَا أَكَرَم اللَّه سُبحانَهُ وتعالى بِهِ نَبِيَّهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ هذِهِ المُعْجِزَةِ الظَّاهِرةِ والآيَةِ الْبَاهِرَةِ . « بَسقَ » أَي : بصَقَ، وَيُقَالُ أَيضاً : بَزقَ ثَلاثُ لُغَاتٍ . و « عَمَد » بفتح الميم : قصَد. و « اقْدَحي » أَي : اغرِفي ، والمِقْدَحةُ : المِغْرفَةُ . و «تَغِطُّ » أَي لِغَلَيَانِهَا صَوْتٌ . واللَّه أعلم .
521- وعن أَنس رضي اللَّه عنه قال : قال أَبو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْم : قَد سَمعتُ صَوتَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ضَعِيفاً أَعرِفُ فِيهِ الجُوعَ ، فَهَل عِندَكِ مِن شيءٍ ؟ فقالت : نَعَمْ ، فَأَخْرَجَتْ أَقَرَاصاً مِن شَعيرٍ ، ثُمَّ أَخَذَت خِمَاراً لَهَا فَلَفَّتِ الخُبزَ بِبَعضِه ، ثُمَّ دسَّتْهُ تَحْتَ ثَوبي وَرَدَّتْني بِبَعضِه ، ثُمَّ أَرْسلَتْنِي إِلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَذَهَبتُ بِهِ ، فَوَجَدتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم جالِساً في المَسْجِدِ ، ومَعَهُ النَّاسُ ، فَقُمتُ عَلَيهِمْ ، فقالَ لي رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ ؟ » فقلت : نَعم ، فقال: « أَلِطَعَام » فقلت : نَعَم ، فقال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «قُومُوا » فَانْطَلَقُوا وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيديِهِم حَتَّى جِئتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخبَرتُهُ ، فقال أَبُو طَلْحَةَ : يا أُمِّ سُلَيمٍ : قَد جَاءَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بالنَّاسِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا ما نُطْعِمُهُمْ ؟ فقالتْ : اللَّهُ وَرسُولُهُ أَعْلَمُ .
        فَانطَلَقَ أَبُو طَلْحةَ حتَّى لَقِيَ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فأَقبَلَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَعَه حَتَّى دَخَلا ، فقال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « هَلُمِّي ما عِندَكِ يا أُمِّ سُلَيْمٍ » فَأَتَتْ بِذلكَ الخُبْزِ ، فَأَمَرَ بِهِ رسولُ اللَّه ففُتَّ ، وعَصَرَت عَلَيه أُمُّ سُلَيمٍ عُكَّةً فَآدَمَتْهُ ، ثُمَّ قال فِيهِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ما شَاءَ اللَّه أَنْ يَقُولَ ، ثُمَّ قَالَ : « ائذَن لِعَشَرَةٍ » فَأَذِنَ لَهُم ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ، ثم قال : « ائذَن لِعَشَرَةٍ » فَأَذنَ لهم ، فَأَكَلُوا حتى شَبِعُوا ، ثم خَرَجوا ، ثُمَّ قال : « ائذَنْ لِعَشَرَةٍ» فَأَذِنَ لهُم حتى أَكل القَوْمُ كُلُّهُم وَشَبِعُوا ، وَالْقَوْمُ سَبْعونَ رَجُلاً أَوْ ثَمَانُونَ . متفق عليه.
       وفي روايةٍ : فما زال يَدخُلُ عشَرَةٌ وَيَخْرُجُ عَشَرَةٌ ، حتى لم يَبْقَ مِنهم أَحَدٌ إِلا دَخَلَ ، فَأَكَلَ حتى شَبِعَ ، ثم هَيَّأَهَا فَإِذَا هِي مِثلُهَا حِينَ أَكَلُوا مِنها .
          وفي روايةٍ : فَأَكَلُوا عَشَرَةً عَشَرةً ، حتى فَعَلَ ذلكَ بثَمانِينَ رَجُلاً ثم أَكَلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بعد ذلكَ وََأَهْلُ البَيت ، وَتَركُوا سُؤراً .
          وفي روايةٍ : ثمَّ أفضَلُوا ما بَلَغُوا جيرانَهُم .
          وفي روايةٍ عن أَنسٍ قال : جِئتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يوْماً فَوَجَدتُهُ جَالِساً مع َأَصحابِهِ ، وَقد عَصَبَ بَطْنَهُ بِعِصابَةٍ ، فقلتُ لِبَعضِ أَصحَابِهِ : لِمَ عَصَبَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بطْنَهُ ؟ فقالوا : مِنَ الجُوعِ .
        فَذَهَبْتُ إِلى أبي طَلحَةَ ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ سُليمٍ بنتِ مِلحَانَ ، فقلتُ : يَا أَبتَاه ، قد رَأَيْت رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَصبَ بطنَهُ بِعِصَابَةٍ ، فَسَأَلتُ بَعضَ أَصحَابِهِ ، فقالوا : مِنَ الجُوعِ . فَدَخل أَبُو طَلحَةَ على أُمِّي فقال : هَل مِن شَيءٍ ؟ قالت : نعم عِندِي كِسَرٌ مِنْ خُبزٍ وَتمرَاتٌ، فإِنْ جَاءَنَا رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَحْدهُ أَشبَعنَاه ، وإِن جَاءَ آخَرُ معه قَلَّ عَنْهمْ ، وذَكَرَ تَمَامَ الحَديث.

57- باب القناعة والعفاف والاقتصاد
في المعيشة والإنفاق وذم السؤال من غير ضرورة
قال اللَّه تعالى:  { وما من دابة في الأرض إلا على اللَّه رزقها } .
وقال تعالى:  { للفقراء الذين أحصروا في سبيل اللَّه لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً } .
وقال تعالى (:  { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، وكان بين ذلك قواماً } .
وقال تعالى:  { وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } .
وأما الأحاديث فتقدم معظمها في البابين السابقين. ومما لم يتقدم :
522- عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لَيس الغِنَي عَن كثْرَةِ العَرضِ ، وَلكِنَّ الغنِيَ غِنَي النَّفسِ » متفقٌ عليه .
« العَرَضُ » بفتح العين والراءِ : هُوَ المَالُ .
523- وعن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنهما أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « قَدْ أَفلَحَ مَنْ أَسَلَمَ ، وَرُزِقَ كَفَافاً ، وَقَنَّعَهُ اللَّه بما آتَاهُ » رواه مسلم .
524- وعن حَكيم بن حِزَام رضي اللَّه عنه قال : سَأَلْتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَأَعطَاني ، ثم سَأَلْتُهُ فَأَعطَاني ، ثم سَأَلْتُهُ فَأَعطَاني ، ثم قال : « يا حَكيمُ ، إِنَّ هذا المَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمن أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفس بُوركَ لَهُ فِيه ، وَمَن أَخَذَهُ بِإِشرَافِ نَفْسٍ لَم يُبَارَكْ لهُ فيهِ ، وكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ ولا يَشْبَعُ ، واليدُ العُلَيا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى » قال حَكيمٌ فقلتُ : يا رسول اللَّه وَالَّذِي بَعثَكَ بالحَقِّ لا أَرْزَأُ أَحداً بَعدَكَ شَيْئاً حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنيَا ، فَكَانَ أَبُو بكرٍ رضي اللَّه عنه يَدْعُو حَكيماً لِيُعطيَهُ العَطَاءَ ، فَيَأْبَى أن يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئاً . ثُمَّ إِنَّ عُمر رضي اللَّه عنه دَعَاهُ لِيُعطيهُ ، فَأَبَى أَن يَقْبلَهُ . فقال : يا مَعشَرَ المُسْلمينَ ، أُشْهِدُكُم عَلى حَكيمٍ أَنِي أَعْرضُ عَلَيه حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَهُ اللَّه لَهُ في هذا الْفيءِ ، فيَأْبَى أَن يَأْخُذَهُ . فَلَمْ يَرْزَأْ حَكيمُ أَحداً مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حَتَّى تُوُفي . متفقٌ عليه .
      « يرْزَأُ » براءٍ ثم زاي ثم همزةٍ ، أي لم يأْخُذْ مِن أَحدٍ شَيْئاً ، وأَصلُ الرُّزْءِ : النُّقصَانُ ، أَي لَم ينْقُصْ أَحَداً شَيئاً بالأَخذِ مِنْهُ . و « إِشْرَافُ النَّفسِ » : تَطَلُّعُها وطَمعُهَا بالشَّيءِ . و « سَخَاوَةُ النَّفْسِ » : هيَ عدمُ الإِشَرَاف إِلى الشَّيءِ ، والطَّمَع فيه ، والمُبالاةِ بِهِ والشَّرهِ .
525- وعن أبي بُردَةَ عن أبي موسى الأشعَريِّ رضي اللّه عنه قال : خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في غَزوَةٍ ، ونحْن سِتَّةُ نَفَرٍ بيْنَنَا بَعِير نَعْتَقِبهُ ، فَنَقِبتْ أَقدامُنا ، وَنَقِبَتْ قَدَمِي ، وَسَقَطَتْ أَظْفاري ، فَكُنَّا نَلُفُّ عَلى أَرْجُلِنا الخِرَقَ ، فَسُميت غَزوَةَ ذَاتِ الرِّقاعِ لِما كُنَّا نَعْصِبُ عَلى أَرْجُلِنَا الخِرَقَ ، قالَ أَبو بُردَةَ : فَحَدَّثَ أَبو مُوسَى بِهَذا الحَدِيثِ ، ثُمَّ كَرِهَ ذلكَ، وقالَ : ما كنْتُ أَصْنَعُ بِأَنْ أَذْكُرهُ ، قالَ : كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْئاً مِنْ عَمَلِهِ أَفْشاهُ . متفقٌ عليه .
526- وعن عمرو بن تَغْلِب بفتح التاءِ المثناةِ فوقَ وإِسكان الغين المعجمة وكسر الَّلام رضي اللّه عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أُتِيَ بمالٍ أَوْ سبي فَقسَّمهُ ، فَأَعْطَى رجالاً ، وتَرَكَ رِجالاً ، فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتبُوا ، فَحَمِدَ اللَّه ، ثُمَّ أَثْنَى عَلَيهِ ، ثُمَّ قال : « أَمَا بَعدُ ، فَوَاللَّه إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَأَدَعُ الرَّجُلَ ، والَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إليَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي ، وَلكِنِّي إِنَّمَا أُعْطِي أَقوَاماً لِما أَرى في قُلُوبِهِمْ مِن الجَزعِ والهَلَعِ ، وَأَكِلُ أَقْواماً إِلى ما جعَلَ اللَّه في قُلُوبِهِمْ مِنَ الغِني والخَيْرِ ، مِنْهُمْ عَمْروُ بنُ تَغلِبَ » قال عمرُو بنُ تَغْلِبَ : فَواللَّهِ ما أُحِبُّ أَن لي بِكلِمةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حُمْرَ النَّعَمِ . رواه البخاري .
       « الهلَعُ » : هُو أَشَدُّ الجَزَعِ ، وقِيل : الضَّجرُ .
527- وعن حَكيمِ بن حِزامٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « اليدُ العُليا خَيْرُ مِنَ اليَدِ السُّفْلى ، وابْدَأ بمنْ تَعُولُ ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ ما كان عنْ ظَهْرِ غِني ، ومَنْ يَسْتعْففْ يُعفُّهُ اللَّه ، ومَنْ يَسْتغْن يُغْنِهِ اللَّه » متفقٌ عليه . وهذا لفظ البخاري ، ولفظ مسلم أَخصر.
528- وعن سفيانَ صَخْرِ بنِ حَرْبٍ رضي اللَّه عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا تُلْحِفُوا في المسأَلَةِ ، فوَاللَّه لا يَسْأَلُني أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئاً، فَتُخرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئاً وَأَنا لَهُ كارِهٌ ، فَيُبَارَكَ لَهُ فيما أَعْطَيْتُهُ » رواه مسلم .
529 وعن أبي عبدِ الرحمنِ عَوف بن مالك الأَشْجَعِيِّ رضي اللَّه عنه قالَ : كُنَّا عِنْدَ رسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم تِسَعْةً أَوْ ثمانيةً أَوْ سَبْعَةً ، فَقَال : أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وكُنَّا حَدِيثي عَهْدٍ بِبيْعَةٍ ، فَقُلْنا : قَدْ بايعْناكَ يا رسُولَ اللَّهِ ، ثم قال : « ألا تبايعون رسول الله ؟ » فبسطنا أيدينا وقلنا قد بايعناك يا رسول الله فَعَلاَم نَبَايِعُكَ ؟ قال : « على أَنْ تَعْبُدُوا اللَّه ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ، والصَّلَوَاتِ الخَمْس وَتِطيعُوا » وَأَسرَّ كلمَة خَفِيةً : « وَلاَ تَسْأَلُوا النَّاسِ شَيْئاً » فَلَقَدْ رَأَيتُ بَعْضَ أُولِئكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحدِهِمْ فَما يَسْأَلُ أَحَداً يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ رواه مسلم .
530- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أَنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لاَ تَزَالُ المَسأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتى يَلْقى اللَّه تعالى ولَيْسَ في وَجْهِهِ مُزْعةُ لَحْمٍ » متفقٌ عليه .
« المُزْعَةُ » بضم الميمِ وإِسكانِ الزاي وبالعينِ المهملة : القِطْعَة .
531- وعنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال وهو على المِنبرِ ، وَذَكَرَ الصَّدقَةَ والتَّعَفُّفَ عَنِ المسأَلَةِ : « اليَد العلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى » وَاليَد العُليا هِيَ المُنْفِقة ، والسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَة. متفقٌ عليه .
532- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ سَأَلَ النَّاس تَكَثُّراً فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْراً ، فَلْيسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ » رواه مسلم .
533- وعن سمُرَةَ بنِ جُنْدبٍ رضي اللَّه عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسَلَّم : « إِنَّ المَسأَلَةَ كَدُّ يكُدُّ بها الرَّجُلُ وجْهَهُ ، إِلاَّ أَنْ يَسأَلَ الرَّجُلُ سُلْطاناً أَوْ في أَمْر لابُدَّ مِنْهُ » رواهُ الترمذي وقال : حديث حسن صحيح « الكَدُّ » : الخَدشُ وَنحوُهُ .
534- وعن ابن مسعودٍ رضيَ اللَّه عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ أَصابَتْهُ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فاقَتُهُ ، وَمَنْ أَنْزَلها باللَّه ، فَيُوشِكُ اللَّه لَهُ بِرِزقٍ عاجِلٍ أَوْ آجِلِ » رواهُ أبو داود ، والترمذي وقال : حديث حسن .
« يُوشكُ » بكسر الشين : أَي يُسرِعُ .
535- وعَنْ ثَوْبانَ رضيَ اللَّه عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ تَكَفَّلَ لي أَن لا يسْأَلَ النَّاسَ شَيْئاً ، وَأَتَكَفَّلُ له بالجَنَّة ؟ » فقلتُ : أَنا ، فَكَانَ لاَ يسْأَلُ أَحَداً شَيْئاً ، رواه أبو داود بإِسنادٍ صحيح .
536- وعن أبي بِشْرٍ قَبِيصَةَ بن المُخَارِقِ رضي اللَّه عنه قال : تَحمَّلْت حمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَسْأَلُهُ فيها ، فقال : « أَقِمْ حَتَّى تَأْتِينَا الصَّدَقَةُ فَنأْمُرَ لكَ بِها » ثُمَّ قال : «ياَ قَبِيصَةُ إِنَّ المَسأَلَةَ لا تَحِلُّ إِلاَّ لأَحَدِ ثَلاثَةٍ : رَجُلٌ تَحَمَّلَ حمالَةً ، فَحَلَّتْ لَهُ المَسْأَلَةُ حَتَّى يُصيبَها ، ثُمَّ يُمْسِكُ . ورجُلٌ أَصابَتْهُ جائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مالَهُ ، فَحَلَّتْ لهُ المَسأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَاماً مِنْ عيْشٍ ، أَوْ قال : سِداداً مِنْ عَيْشٍ ، ورَجُلٌ أَصابَتْهُ فاقَة ، حَتى يقُولَ ثلاثَةٌ مِنْ ذَوي الحِجَى مِنْ قَوْمِهِ : لَقَدْ أَصَابَتْ فُلاناً فَاقَةٌ ، فحلَّتْ لَهُ المسْأَلةُ حتَّى يُصِيبَ قِواماً مِنْ عَيْشٍ ، أَوْ قالَ: سِداداً مِنْ عَيْشٍ . فَمَا سِواهُنَّ مِنَ المَسأَلَةِ يا قَبِيصَةُ سُحْتٌ ، يأَكُلُها صاحِبُها سُحْتاً » رواهُ مسلم .
     « الحمالَةُ » بفتح الحاءِ : أَنْ يَقَعَ قِتَالٌ وَنحوُهُ بَين فَرِيقَينِ ، فَيُصلحُ إِنْسَانٌ بيْنهمْ عَلى مالٍ يَتَحَمَّلُهُ ويلْتَزِمُهُ عَلى نفسه . و « الجائِحَةُ » : الآفَةُ تُصِيبُ مالَ الإِنْسانِ . و « القَوامُ» بكسر القاف وفتحها : هوَ ما يقومُ بِهِ أَمْرُ الإِنْسانِ مِنْ مَالٍ ونحوِهِ و « السِّدادُ » بكسر السين : مَا يَســُــدُّ حاجةَ المُعْوِزِ ويَكْفِيهِ ، و « الفَاقَةُ » : الفَقْرُ . و « الحِجَى » : العقلُ.
537- وعن أبي هريرة رضيَ اللَّه عنه أَنَّ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لَيْسِ المِسْكِينُ الَّذِي يطُوفُ عَلى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ واللُّقْمَتانِ ، وَالتَّمْرَةُ والتَّمْرتَانِ ، وَلَكِنَّ المِسْكِينَ الَّذِي لا يجِـدُ غِنًى يُغنِيهِ ، وَلاَ يُفْطَنُ لَهُ ، فَيُتَصدَّقَ عَلَيْهِ ، وَلاَ يَقُومُ فَيسْأَلَ النَّاسَ » متفقٌ عليه .

58- باب جواز الأخذ من غير مسألة ولا تطلع إليه

538- عَنْ سالمِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبيهِ عبدِ اللَّه بنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ رضي اللَّه عنهم قال : كان رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُعْطِيني العطَاءَ ، فَأَقُولُ : أَعطهِ مَن هو أَفقَرُ إِلَيهِ مِنِّي، فقال : « خُذهُ ، إِذَا جاءَكَ مِن هذا المَالِ شَيءٌ ، وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ ولا سَائِلٍ ، فَخُذْهُ فتَموَّلْهُ فَإِن شِئتَ كُلْهُ ، وإِن شِئْتَ تَصْدَقْ بِهِ ، وَمَا لا، فَلا تُتبِعْهُ نَفْسَكَ » قال سالمٌ : فَكَانَ عَبدُ اللَّه لا يسأَلُ أَحداً شَيْئاً ، وَلا يَرُدُّ شَيئاً أُعْطِيه . متفقٌ عليه .
        « مشرفٌ » بالشين المعجمة : أَيْ : متَطَلِّعٌ إِلَيْه .

59- باب الحثَّ على الأكل من عمل يده
والتعفف به من السؤال والتعرُّض للإعطاء
قال اللَّه تعالى:  { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل اللَّه }  الآية.
539- وعنْ أبي عبدِ اللَّه الزُّبَيْرِ بنِ العوَّامِ رضي اللَّه عنه قالَ : قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُم أَحبُلَهُ ثُمَّ يَأْتِيَ الجَبَلَ ، فَيَأْتِيَ بحُزْمَةٍ مِن حَطَبٍ عَلى ظَهِرِهِ فَيَبيعَهَا ، فَيَكُفَّ اللَّه بها وَجْهَهُ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَن يَسأَلَ النَّاسَ ، أَعطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ » رواه البخاري .
540- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لأَنْ يحتَطِبَ أَحَدُكُم حُزمَةً على ظَهرِه ، خَيْرٌ من أَنْ يَسأَل أَحَداً ، فَيُعُطيَه أَو يمنَعَهُ » متفقٌ عليه .
541- وعنه عنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « كان دَاوُدُ عليهِ السَّلامُ لا يَأْكُل إِلاَّ مِن عَملِ يَدِهِ » رواه البخاري .
542- وعنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « كَانَ زَكَرِيَّا عليه السَّلامُ نجَّاراً » رواه مسلم .
543- وعن المِقدَامِ بن مَعْدِ يكَربَ رضي اللَّه عنه ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً خَيْراً مِن أَنَ يَأْكُلَ مِن عمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبيَّ اللَّه دَاوُدَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كان يَأْكلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ » رواه البخاري .

60- باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير
ثقة بالله تعالى
قال اللَّه تعالى:  { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه } .
وقال تعالى:  { وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه اللَّه، وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون } .
وقال تعالى:  { وما تنفقوا من خير فإن اللَّه به عليم } .
544- وعَنِ ابنِ مسعودٍ رضي اللَّه عنه ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا حَسَدَ إِلاَّ في اثنتينِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّه مَالاً ، فَسَلَّطَه عَلَى هَلَكَتِهِ في الحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاه اللَّه حِكْمَةً ، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُها » متفقٌ عليه .
   معناه : يَنَبِغِي أَن لا يُغبَطَ أَحَدٌ إِلاَّ على إحدَى هَاتَينِ الخَصْلَتَيْنِ .
545- وعنه قالَ : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِليه مِن مَالهِ ؟ » قالُوا : يا رَسولَ اللَّه . ما مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِليه . قال : « فَإِنَ مَالَه ما قَدَّمَ وَمَالَ وَارِثهِ ما أَخَّرَ » رواه البخاري .
546- وعَن عَدِيِّ بنِ حاتم رضي اللَّه عنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمَرةٍ » متفقٌ عليه .
547- وعن جابرٍ رضي اللَّه عنه قال : ما سُئِل رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم شَيئاً قَطُّ فقالَ : لا . متفقٌ عليه .
548- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلانِ ، فَيَقُولُ أَحَدَهُمَا : اللَّهُمَّ أَعطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقُولُ الآخَرُ : اللَّهُمَّ أَعطِ مُمسكاً تَلَفاً » متفقٌ عليه .
549- وعنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قـال : « قال اللَّه تعالى : أنفِق يا ابْنَ آدمَ يُنْفَقْ عَلَيْكَ » متفقٌ عليه .
550- وعن ْ عبد اللَّهِ بن عَمْرو بن العَاصِ رضي اللَّه عنهُما أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : أَيُّ الإِسلامِ خَيْرٌ ؟ قال : « تُطْعِمْ الطَّعَامَ ، وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لم تَعْرِفْ » متفقٌ عليه .
551- وعنه قال : قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَرْبَعونَ خَصلَةً أَعلاهَا مَنِيحَةُ العَنْز ما مِن  عَاملٍ يعْملُ بخَصلَةٍ منها رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّه تعالى بِهَا الجَنَّةَ » رواه البخاري . وقد سبقَ بيان هذا الحديث في باب بَيَان كَثرَةِ طُرق الخَيْرِ .
552- عن أبي أُمَامَةَ صُدَيِّ بنِ عَجْلانَ رضي اللَّهُ عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «يا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ إِن تَبْذُلَ الفَضْلَ خَيرٌ لَكََ ، وإِن تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ ، وَلا تُلامُ عَلى كَفَافٍ، وَابْدأْ بِمَنْ تَعُولُ ، واليَدُ العُليَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى » رواه مسلم .
553- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه قال : ما سُئِلَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلَى الإِسْلامِ شَيئاً إِلا أَعْطاه ، وَلَقَدَ جَاءَه رَجُلٌ فَأَعطَاه غَنَماً بَينَ جَبَلَينِ ، فَرَجَعَ إِلى قَومِهِ فَقَالَ : يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمداً يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لا يَخْشَى الفَقْرَ ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلاَّ الدُّنْيَا ، فَمَا يَلْبَثُ إِلاَّ يَسِيراً حَتَّى يَكُونَ الإِسْلامُ أَحَبَّ إِلَيه منَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا . رواه مسلم .
554- وعن عُمَرَ رضيَ اللَّه عنه قال : قَسَمَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَسْماً ، فَقُلتُ : يا رسولَ اللَّه لَغَيْرُ هَؤُلاَءِ كَانُوا أَحَقَّ بهِ مِنْهُم ؟ قال : « إِنَّهُمْ خَيَّرُوني أَن يَسأَلُوني بالْفُحشِ فَأُعْطيَهم أَوْ يُبَخِّلُوني ، وَلَستُ بِبَاخِلٍ » رواه مسلم .
555- وعن جُبَيْرِ بنِ مُطعِم رضيَ اللَّه عنه أَنه قال : بَيْنَمَا هُوَ يسِيرُ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَقْفَلَهُ مِن حُنَيْنٍ ، فَعَلِقَهُ الأَعْرَابُ يسَأَلُونَهُ ، حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلى سَمُرَةٍ فَخَطَفَتْ رِدَاءَهُ ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : أَعْطُوني رِدَائِي ، فَلَوْ كَانَ لي عَـدَدُ هذِهِ العِضَاهِ نَعَماً ، لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ، ثم لا تَجِدُوني بَخِيلاً وَلا كَذَّاباً وَلا جَبَاناً » رواه البخاري .
   « مَقْفَلَهُ » أَيْ حَال رُجُوعِهِ . وَ « السَّمُرَةُ » : شَجَرَةٌ . وَ « العِضَاهُ » : شَجَرٌ لَهُ شَوْكٌ.
556- وعن أبي هُريرة رضيَ اللَّهُ عنه أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وجلَّ » رواه مسلم .
557- وعن أبي كَبشَةَ عُمرو بِنَ سَعدٍ الأَنمَاريِّ رضي اللَّه عنه أَنه سمَع رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : « ثَلاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيهِنَّ وَأُحَدِّثُكُم حَدِيثاً فَاحْفَظُوهُ : مَا نَقَصَ مَالُ عَبدٍ مِن صَدَقَةٍ ، وَلا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً صَبَرَ عَلَيهَا إِلاَّ زَادَهُ اللَّهُ عِزّاً ، وَلا فَتَحَ عَبْدٌ باب مَسأَلَةٍ إِلاَّ فَتَحَ اللَّه عَلَيْهِ باب فَقْرٍ ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا . وَأُحَدِّثُكُم حَدِيثاً فَاحْفَظُوهُ . قال إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَر:
عَبدٍ رَزَقَه اللَّه مَالاً وَعِلْماً ، فَهُو يَتَّقي فِيهِ رَبَّهُ ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَيَعْلَمُ للَّهِ فِيهِ حَقا فَهذَا بأَفضَل المَنازل .
وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّه عِلْماً ، وَلَمْ يَرْزُقهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ : لَو أَنَّ لي مَالاً لَعمِلْتُ بِعَمَل فُلانٍ ، فَهُوَ نِيَّتُهُ ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ .
وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً ، وَلَمْ يرْزُقْهُ عِلْماً ، فهُوَ يَخْبِطُ في مالِهِ بِغَير عِلمٍ ، لا يَتَّقي فِيهِ رَبَّهُ وَلا يَصِلُ رَحِمَهُ ، وَلا يَعلَمُ للَّهِ فِيهِ حَقا ، فَهَذَا بأَخْبَثِ المَنَازِلِ .
   وَعَبْدٍ لَمْ يرْزُقْهُ اللَّه مَالاً وَلا عِلْماً ، فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَل فُلانٍ، فَهُوَ نِيَّتُهُ ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
558- وعن عائشة رضي اللَّه عنها أَنَّهُمْ ذَبحُوا شَاةً ، فقالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَا بَقِيَ مِنها؟» قالت : ما بقي مِنها إِلاَّ كَتِفُهَا ، قال : « بَقِي كُلُّهَا غَيرَ كَتِفِهَا» رواه الترمذي وقال حديث صحيح .
ومعناه : تَصَدَّقُوا بها إلاَّ كَتِفَهَا فقال : بَقِيَتْ لَنا في الآخِرةِ إِلاَّ كَتفَهَا .
559- وعن أَسماءَ بنتِ أبي بكرٍ الصديق رضي اللَّه عنهما قالت : قال لي رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا تُوكِي فَيوكِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ » .
وفي روايةٍ « أَنفِقِي أَو أَنْفَحِي أَو أَنْضِحِي ، وَلا تُحْصي فَيُحْصِيَ اللَّه عَلَيكِ، وَلا تُوعِي فيوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ » متفقٌ عليه .
وَ « انْفَحِي » بالحاءِ المهملة : هو بمعنى « أَنفِقِي » وكذلك : « أَنْضِحِي » .
560- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَنه سَمِع رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : « مَثَلُ البَخِيلِ والمُنْفِقِ ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِن حَديد مِنْ ثْدِيِّهِما إِلى تَرَاقِيهمَا، فَأَمَّا المُنْفِقُ ، فَلا يُنْفِقُ إِلاَّ سَبَغَتْ ، أَوْ وَفَرَتْ على جِلدِهِ حتى تُخْفِيَ بَنَانَهُ ، وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ ، وَأَمَّا البَخِيلُ ، فَلا يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيئاً إِلاَّ لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا ، فَهُو يُوَسِّعُهَا فَلا تَتَّسِعُ » متفقٌ عليه .
   وَ « الجُبَّةُ » الدِّرعُ ، وَمَعنَاهُ : أَن المُنْفِقَ كُلَّمَا أَنْفَقَ سَبَغَتْ ، وَطَالَتْ حتى تجُرَّ وَرَاءَهُ ، وَتُخْفِيَ رِجلَيهِ وأَثَرَ مَشيهِ وخُطُواتِهِ .
561- وعنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ تَصَدَّقَ بِعِدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ ، ولا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ فَإِنَّ اللَّه يقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيها لِصَاحِبَها ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حتى تَكُونَ مِثْلَ الجَبلِ » . متفقٌ عليه .
   « الفَلُوُّ » بفتحِ الفاءِ وضم اللام وتشديد الواو ، ويقال أَيضاً : بكسر الفاءِ وإِسكان اللام وتخفيف الواو : وهو المُهْرُ .
562- وعنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : بيْنَما رَجُلٌ يَمشِي بِفَلاةٍ مِن الأَرض ، فَسَمِعَ صَوتاً في سَحَابَةٍ : اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ ، فَتَنَحَّى ذلكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ في حَرَّةٍ ، فإِذا شرجة من تِلْكَ الشِّراجِ قَدِ اسْتَوعَبَتْ ذلِكَ الماءَ كُلَّهُ فَتَتَبَّعَ الماءَ ، فإِذا رَجُلٌ قَائِمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ المَاءَ بمِسحَاتِهِ ، فقال له : يا عَبْدَ اللَّهِ ما اسْمُكَ قال : فُلانٌ، للاسْمِ الَّذِي سَمِعَ في السَّحَابَةِ ، فقال له : يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي ؟ فَقَال : إني سَمِعْتُ صَوتاً في السَّحَابِ الذي هذَا مَاؤُهُ يقُولُ : اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ لإسمِكَ ، فما تَصْنَعُ فِيها ؟ فقال : أَما إِذْ قُلْتَ هَذَا ، فَإني أَنْظُرُ إِلى ما يَخْرُجُ مِنها ، فَأَتَّصَدَّقُ بثُلُثِه ، وآكُلُ أَنا وعِيالي ثُلُثاً ، وأَردُّ فِيها ثُلثَهُ . رواه مسلم .
   « الحَرَّةُ » الأَرضُ المُلْبَسَةُ حِجَارَةً سَودَاءَ : « والشَّرجَةُ » بفتح الشين المعجمة وإِسكان الراءِ وبالجيم : هِيَ مسِيلُ الماءِ .


61- باب النهي عن البخل والشُّحِّ
قال اللَّه تعالى:{ وأما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى، وما يغني عنه ماله إذا تردى } .
وقال تعالى:  { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } .
وأما الأحاديث فتقدمت جملة منها في الباب السابق.
563- وعن جابر رضي اللَّه عنه أَنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : اتَّقُوا الظُّلْمَ ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلمَاتٌ يوْمَ القِيامَة ، واتَّقُوا الشُّحَّ ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ منْ كانَ قَبْلَكُمْ ، حَمَلَهُم على أَن سَفَكُوا دِمَاءَهم واستحَلُّوا مَحَارِمَهُم » رواه مسلم .

62- باب الإيثار المواساة
قال اللَّه تعالى:{ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } .
وقال تعالى:  { ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً }  إلى آخر الآيات.
564- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه قال : جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : إني مَجْهُودٌ ، فأَرسَلََ إِلى بَعضِ نِسائِهِ ، فَقَالت : والَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما عِندِي إِلاَّ مَاءٌ ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلى أُخْرَى . فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ ، حتَّى قُلْنَ كُلُّهنَّ مِثل ذَلِكَ : لا وَالذِي بعثَكَ بِالحَقِّ ما عِندِي إِلاَّ مَاءٌ . فقال النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « من يُضِيفُ هَذا اللَّيْلَةَ ؟ » فقال رَجُلٌ مِن الأَنْصارِ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلى رحْلِهِ ، فَقَال لامْرَأَتِهِ : أَكرِمِي : ضَيْفَ رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم.
      وفي رواية قال لامرَأَتِهِ : هل عِنْدَكِ شَيءٌ ؟ فَقَالَتْ : لا ، إِلاَّ قُوتَ صِبيانِي قال : عَلِّليهمْ بِشَيءٍ وإِذا أَرَادُوا العَشَاءَ ، فَنَوِّميهِم ، وإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا ، فَأَطفِئي السِّرَاجَ ، وأَريِهِ أَنَّا نَأْكُلُ ، فَقَعَدُوا وأَكَلَ الضَّيفُ وبَاتا طَاوِيَيْنِ ، فَلَمَّا أَصْبح ، غَدَا على النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : فقال: « لَقَد عَجِبَ اللَّه مِن صَنِيعِكُمَا بِضَيفِكُمَا اللَّيْلَةَ » متفقٌ عليه .
565- وعنه قالَ : قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « طَعَامُ الاثْنَينِ كافي الثَّلاثَةِ ، وطَعامُ الثَّلاثَةِ كافي الأَربَعَةِ » متفقٌ عليه .
       وفي رواية لمسلمٍ رضي اللَّه عنه ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « طَعَامُ الوَاحِد يَكفي الاثْنَيْنِ ، وطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفي الأربَعَةَ وطَعَامُ الأرْبعةِ يَكفي الثَّمَانِيَةَ » .
566- وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي اللَّهُ عنه قال : بينَمَا نَحْنُ في سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذ جَاءَ رَجُلٌ على رَاحِلَةٍ لَهُ ، فَجَعَلَ يَصْرفُ بَصَرَهُ يَمِيناً وَشِمَالاً ، فَقَال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهرٍ فَليَعُدْ بِهِ عَلى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ ، وَمَن كانَ لَهُ فَضْلٌ مِن زَادٍ ، فَليَعُدْ بِهِ على مَن لا زَادَ لَهُ » فَذَكَرَ مِن أَصْنَافِ المَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لا حَقَّ لأحدٍ مِنَّا في فَضْلٍ » رواه مسلم .
567- وعن سَهلِ بنِ سعدٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ امرَأَةً جَاءَت إِلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِبُردةٍ مَنسُوجَةٍ ، فقالت : نَسَجتُها بِيَديَّ لأكْسُوَكَهَا ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُحتَاجاً إِلَيهَا ، فَخَرَجَ إِلَينا وَإِنَّهَا لإزَارُهُ ، فقال فُلانٌ اكسُنِيهَا مَا أَحسَنَها ، فَقَالَ: « نَعَمْ » فَجلَس النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في المجلِسِ، ثُمَّ رَجَعَ فَطَواهَا ، ثُمَّ أَرسَلَ بِهَا إِلَيْهِ : فَقَالَ لَهُ القَوْمُ : ما أَحسَنْتَ، لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُحْتَاجاً إِلَيها ، ثُمَّ سَأَلتَهُ ، وَعَلِمت أَنَّهُ لا يَرُدُّ سَائِلاً ، فَقَالَ : إني وَاللَّهِ ما سَأَلْتُهُ لألْبَسَها ، إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتكُونَ كَفَنِي . قال سَهْلٌ : فَكانت كَفَنَهُ . رواه البخاري .
568- وعن أبي موسى رضي اللَّه عنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ الأشعَرِيين إِذَا أَرملُوا في الْغَزْوِ ، أَو قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِم بالمَدِينَةِ ، جَمَعُوا ما كَانَ عِندَهُم في ثَوبٍ وَاحدٍ ، ثُمَّ اقتَسَمُوهُ بَيْنَهُم في إِنَاءٍ وَاحِدٍ بالسَّويَّةِ فَهُم مِنِّي وَأَنَا مِنهُم » متفقٌ عليه .
« أَرمَلُوا » : فَرَغَ زَادُهُم ، أَو قَارَبَ الفَرَاغَ .

63- باب التنافس في أمور الآخرة والاستكثار مما يُتَبَرَّكُ فيه
قال اللَّه تعالى:  { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } .
569- وعن سهلِ بنِ سعدٍ رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أُتِيَ بِشَرَابٍ ، فَشَرِبَ مِنهُ وَعَن يَمِينِهِ غُلامٌ ، وَعَن يسارِهِ الأَشْيَاخُ ، فقال لِلْغُلام : « أَ تَأْذَنُ لي أَن أُعْطِيَ هُؤلاءِ؟ فَقَالَ الغُلامُ : لا وَاللَّهِ يا رسُولَ اللَّه لا أُوثِرُ بِنَصيبي مِنكَ أَحَداً ، فَتَلَّهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في يَدِهِ . متفقٌ عليه .
       « تَلَّهُ » بالتاءِ المثناةِ فوق ، أَيْ : وَضَعَهُ ، وَهَذَا الغُلامُ هُوَ ابنُ عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما.
570- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عَنِ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « بيْنَا أَيُّوبُ عليه السلام يَغتَسِلُ عُريَاناً ، فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِن ذَهَبٍ ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحِثي في ثَوبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجلَّ : يَا أَيُّوبُ ، أَلَم أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عمَّا تَرَى ؟، قال : بَلَى وَعِزَّتِكَ، وَلكِن لا غِنَى بي عَن بَرَكَتِكَ » رواه البخاري .

64- باب فضل الغني الشاكر
وهو من آخذ المال من وجه وصرفه في وجوهه المأمور بها
قال اللَّه تعالى:  { فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى } .
وقال تعالى:  { وسيجنبها الأتقى، الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى } .
وقال تعالى:  { إن تبدوا الصدقات فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم، ويكفر عنكم من سيئاتكم، والله بما تعملون خبير } .
وقال تعالى:{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، وما تنفقوا من شيء فإن اللَّه به عليم } . والآيات في فضل الإنفاق في الطاعات كثيرة معلومة.
571- وعن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ رضي اللَّه عنه قال : قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا حَسَدَ إِلاَّ في اثَنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً ، فَسَلَّطَهُ على هَلكَتِهِ في الحَقِّ . ورَجُلٌ آتَاه اللَّهُ حِكْمَةً فُهو يَقضِي بِها وَيُعَلِّمُهَا » متفقٌ عليه وتقدم شرحه قريباً .
572- وعن ابْنِ عمر رضي اللَّه عنهما عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا حَسَد إِلاَّ في اثنَتَين : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّه القُرآنَ ، فهو يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيل وآنَاءَ النَّهارِ . وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّه مَالاً . فهوَ يُنْفِقهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وآنَاءَ النَّهارِ » متفقٌ عليه . « الآنَاءُ » السَّاعَاتُ .
573- وعَن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه أَنَّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم . فقالوا : ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجاتِ العُلَى . والنَّعِيمِ المُقِيمِ . فَقَال : « ومَا ذَاكَ ؟ » فَقَالُوا : يُصَلُّونَ كمَا نُصَلِّي ، ويَصُومُونَ كمَا نَصُومُ . وَيَتَصَدَّقُونَ ولا نَتَصَدَّقُ ، ويَعتِقُونَ ولا نَعتقُ فقال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيئاً تُدرِكُونَ بِهِ مَنْ سبَقَكُمْ ، وتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُم إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثلَ ما صَنَعْتُم ؟ » قالوا : بَلَى يا رسولَ اللَّه ، قَالَ : « تُسبحُونَ ، وتحمَدُونَ وتُكَبِّرُونَ ، دُبُر كُلِّ صَلاة ثَلاثاً وثَلاثِينَ مَرَّةً » فَرَجَعَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ إِلى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَقَالُوا : سمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَموَالِ بِمَا فَعلْنَا ، فَفَعَلوا مِثْلَهُ ؟ فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « ذلك فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يشَاءُ » متفقٌ عليه ، وهذا لفظ روايةِ مسلم .
       « الدُّثُورُ » : الأَموالُ الكَثِيرَةُ ، واللَّه أعلم .

65- باب ذكر الموت وقصر الأمل
قال اللَّه تعالى:  { كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } .
وقال تعالى:  { وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت } .
وقال تعالى:  { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة، ولا يستقدمون } .
وقال تعالى:  { يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر اللَّه، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون، وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول: رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين، ولن يؤخر اللَّه نفساً إذا جاء أجلها، والله خبير بما تعملون } .
وقال تعالى:  { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال: رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت. كلا إنها كلمة هو قائلها، ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون، فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون. فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون، تلفح وجوههم النار، وهم فيها كالِحُون. ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون! }  إلى قوله تعالى  { قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين؟ قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين. قال: إن لبثتم إلا قليلاً لو أنكم كنتم تعلمون، أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون؟! } .
وقال تعالى:  { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر اللَّه وما نزل من الحق، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم، وكثير منهم فاسقون } . والآيات في الباب كثيرة معلومة.
574- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال : أَخَذَ رَسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِمنكِبِي فَقَالَ : «كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَو عابرُ سَبِيلٍ » وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي اللَّه عنهما يقول : إِذا أَمسَيتَ، فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ ، فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ ، وخذ مِن صِحَّتِكَ لَمَرَضِك وَمِن حَيَاتِكَ لمَوتِكَ » رواه البخاري .
575- وعنه أَنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « ما حَقُّ امْرِيءٍ مُسلِمٍ لَهُ شَيءٌ يُوصِي فِيهِ . يبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ » متفقٌ عليه . هذا لفظ البخاري .
      وفي روايةٍ لمسلمٍ : « يَبِيتُ ثَلاثَ لَيَالٍ » قال ابن عمر : مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنذُ سَمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال ذلِكَ إِلاَّ وَعِنْدِي وَصِيَّتِي .
576- وعن أَنس رضي اللَّه عنه قال : خَطَّ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خُطُوطاً فقال : « هَذا الإِنسَانُ وَهَذا أَجَلُهُ . فَبَيْنَما هو كَذَلِكَ إِذ جَاءَ الخَطُّ الأَقْرَبُ » رواه البخاري .
577- وعن ابن مسعُودٍ رضيَ اللَّه عنه قال : خَطَّ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خَطًّا مُرَبَّعاً ، وخَطَّ خَطًّا في الْوَسَطِ خَارِجاً منْهُ ، وَخَطَّ خُططاً صِغَاراً إِلى هَذَا الَّذِي في الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي في الوَسَطِ ، فَقَالَ : « هَذَا الإِنسَانُ ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطاً بِهِ أو قَد أَحَاطَ بِهِ وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ وَهَذِهِ الُخطَطُ الصِّغَارُ الأَعْراضُ ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا ، نَهَشَهُ هَذا ، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذا نَهَشَهُ هَذا » رواه البخاري . وَهَذِهِ صُورَتَهُ : الأجل -الأعراض -الأمل
578- وعن أبي هريرة رضيَ اللَّه عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعاً، هَل تَنْتَظِرُونَ إلاَّ فَقْراً مُنْسِياً ، أَو غِنَى مُطغِياً ، أَوْ مَرَضاً مُفسِداً ، أو هَرَماً مُفَنِّداً، أَو مَوتاً مُجْهزِاً ، أَو الدَّجَّالَ ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ ، أَوِ السَّاعَةَ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وأَمَرُّ ؟، » رواهُ الترمذي وقال :  حديثٌ حسنٌ .
579- وعنه قالَ : قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ » يَعني المَوْتَ ، رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .
580- وعن أبي بن كعب رضي اللَّهُ عنه : كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذا ذَهَبَ ثُلثُ اللَّيْلِ، قامَ فقالَ : « يا أَيها النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّه جَاءَتِ الرَاجِفَةُ تَتْبَعُهُا الرَّادِفَةُ، جاءَ المَوْتُ بما فِيهِ ، جاءَ المَوْتُ بما فِيهِ » قلتُ : يا رَسُولَ اللَّهِ إني أكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ ، فَكَمْ أَجْعَلُ لكَ مِن صَلاتي ؟ قال: « ما شِئْتَ » قُلْتُ الرُّبُعَ ؟ قال : « ما شئْتَ ، فَإِنْ زِدتَ فَهُوَ خَيْرٌ لكَ » قُلُتُ : فَالنِّصْفَ ؟ قالَ « ما شِئْتَ ، فإِنْ زِدْتَ فهو خَيرٌ لكَ » قُلْتُ : فَالثلثَينِ ؟ قالَ : « ما شِئْتَ ، فإِنْ زِدْتَ فهو خَيرٌ لكَ » قُلْتُ : أَجْعَلُ لكَ صَلاتي كُلَّها ؟ قال : إذاً تُكْفي هَمَّكَ، ويُغُفَرُ لكَ ذَنْبُكَ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن .

66- باب استحباب زيارة القبور للرجال وما يقوله الزائر

581- عن بُرَيْدَةَ ، رضي اللَّهُ عنه ، قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيارَة القُبُورِ فَزُوروها » رواهُ مسلم .
وفي رواية « فمن أراد أن يزور القبور فليزر فإنها تذكرنا بالآخرة » .
582- وعن عائشَةَ رضي اللَّهُ عنها قالت : كان رسُولُ اللَّهِ ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، كُلَّما كان لَيْلَتها منْ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلى البَقِيعِ ، فَيَقُولُ : « السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤمِنينَ ، وأَتَاكُمْ ما تُوعَدُونَ ، غَداً مُؤَجَّلُونَ ، وإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ » رواهُ مسلم .
583- وعن بُرَيْدَةَ رضي اللَّهُ عنهُ ، قال : كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُعَلِّمُهُمْ إِذا خَرَجُوا إِلى المَقابِرِ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُم : « السَّلامُ عَلَيكُمْ أَهْل الدِّيارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ ، أَسْأَلُ اللَّه لَنَا وَلَكُمُ العافِيَةَ » رواه مسلم .
584- وعن ابن عَبَّاسٍ ، رَضَيَ اللَّه عنهما ، قال : مَرَّ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِقُبورٍ بالمَدِينَةِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بوَجْهِهِ فقالَ : « السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَهْلَ القُبُورِ ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَنا وَلَكُمْ ، أَنْتُم سَلَفُنا ونحْنُ بالأَثَرِ » رواهُ الترمذي وقال :  حديثٌ حسن  .

67- باب كراهية تمني الموت
بسبب ضرر نزل به ولا بأس به لخوف الفتنة في الدين

585- عنْ أبي هُريرة رضيَ اللَّهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « لا يَتَمَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ إِمَا مُحسِناً ، فَلَعَلَّهُ يَزْدادُ ، وَإِمَّا مُسِيئاً فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ » متفقٌ عليه، وهذا لفظ البخاري .
وفي روايةٍ لمسلم عن أبي هُريْرةَ رضي اللَّهُ عنه عَنْ رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا يَتَمَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ ، وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ ، إِنَّهُ إِذا ماتَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ ، وَإِنَّهُ لا يَزيدُ المُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلاَّ خَيراً » .
586- وعن أنسٍ رضي اللَّه عنه قال : قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كانْ لابُدَّ فاعِلاَ ، فَلْيَقُل : اللَّهُمَّ أَحْيِني ما كانَتِ الحَياةُ خَيْراً لي ، وتَوَفَّني إِذا كانَتِ الوفاةُ خَيراً لي » متفقٌ عليه .
587- وعَنْ قَيسِ بنِ أبي حازمٍ قال : دَخَلْنَا عَلى خَباب بنِ الأَرَتِّ رضيَ اللَّهُ عنهُ نَعُودُهُ وَقَدِ اكْتَوى سَبْعَ كَيَّاتٍ فقال : إِنَّ أَصْحابنا الَّذِينَ سَلَفُوا مَضَوْا ، ولَم تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا ، وإِنَّا أَصَبْنَا ما لا نجِدُ لَهُ مَوْضِعاً إِلاَّ الترابَ ولَوْلاَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نهانَا أَنْ نَدْعُوَ بالمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى وهُوَ يَبْني حائطاً لَهُ ، فقال : إِنَّ المُسْلِمَ لَيُؤْجَرُ في كُلِّ شَيءٍ يُنْفِقُهُ إِلاَّ في شَيءٍ يَجْعَلُهُ في هذا الترابِ . متفقٌ عليه ، وهذا لفظ رواية البخاري .

68- باب الورع وترك الشبهات
قال اللَّه تعالى:  { وتحسبونه هيناً وهو عند اللَّه عظيم } .
وقال تعالى:  { إن ربك لبالمرصاد } .
588- وعن النُّعمان بنِ بَشيرٍ رضيَ اللَّه عنهما قال : سمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ : «إِنَّ الحَلاَلَ بَيِّنٌ ، وإِنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهما مُشْتَبِهاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَن اتَّقى الشُّبُهاتِ ، اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ في الشبُهاتِ ، وقَعَ في الحَرامِ ، كالرَّاعي يرْعى حَوْلَ الحِمى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَع فِيهِ ، أَلاَ وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمهُ ، أَلاَ وإِنَّ في الجسَدِ مُضغَةً إذا صلَحَت صَلَحَ الجسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذا فَسَدَتْ فَسدَ الجَسَدُ كُلُّهُ : أَلاَ وَهِي القَلْبُ » متفقٌ عليه . ورَوَياه مِنْ طُرُقٍ بأَلْفاظٍ مُتَقارِبَةٍ .
589- وعن أَنسٍ رضيَ اللَّهُ عنه أَنَّ النَبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَجَدَ تَمْرَةً في الطَّرِيقِ ، فقالَ: « لَوْلاَ أَنِّي أَخافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُها » . متفقٌ عليه .
590- وعن النَّوَّاسِ بنِ سَمعانَ رضي اللَّه عنه عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « البرُّ حُسنُ الخُلُقِ وَالإِثمُ ما حاكَ في نفْسِكَ ، وكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ » رواه مسلم .
« حاكَ » بالحاءِ المهملة والكاف ، أَيْ تَرَدَّدَ فيهِ .
591- وعن وابصةَ بنِ مَعْبِدٍ رضيَ اللَّه عنه قال : أَتَيْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال: « جِئْتَ تسأَلُ عنِ البِرِّ ؟ » قلت : نعم ، فقال : « اسْتَفْتِ قَلْبَكَ ، البِرُّ : ما اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ ، واطْمَأَنَّ إِلَيْهِ القَلْبُ ، والإِثمُ ما حاكَ في النَّفْسِ وتَرَدَّدَ في الصَّدْرِ ، وإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوكَ » حديثٌ حسن ، رواهُ أحمدُ ، والدَّارَمِيُّ في « مُسْنَدَيْهِما » .
592- وعن أبي سِرْوَعَةَ بكسر السين المهملة وفتحها عُقْبَةَ بنِ الحارِثِ رضي اللَّهُ عنهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لأبي إِهاب بنِ عَزِيزٍ ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فقالت : إِنِّي قَد أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالتي قَدْ تَزَوَّجَ بها ، فقال لَها عُقبةُ : ما أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرضَعْتِني وَلاَ أَخْبَرتِني ، فَرَكَبَ إِلى رسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بالمَدِينَةِ ، فَسَأَلَهُ ، فقال رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « كَيْفَ ، وَقَدْ قِيلَ ؟، » ففَارقَهَا عُقْبَةُ ونكَحَتْ زَوْجاً غيرَهُ . رواهُ البخاري .
      « إِهَابٌ » بكسرِ الهمزة ، وَ « عزِيزٌ » بفتح العين وبزاي مكرّرة .
593- وعن الحَسَنِ بن عَليٍّ رضّيَ اللَّهُ عنهما ، قال : حَفِظْتُ مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «دَعْ ما يَرِيبُكَ إِلى مَا لا يرِيبُك » رواهُ الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
ومعناهُ : اتْرُكْ ما تَشُكُّ فِيهِ ، وخُذْ ما لا تَشُكَّ فِيهِ .
594- وعن عائشةَ رضيَ اللَّهُ عنها ، قالت : كانَ لأبي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ ، رضيَ اللَّهُ عنهُ غُلامٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَراجَ وكانَ أَبو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ ، فَجَاءَ يَوماً بِشَيءٍ ، فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ لَهُ الغُلامُ : تَدْرِي مَا هَذا ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ومَا هُوَ ؟ قَالَ : كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ في الجاهِلِيَّةِ ومَا أُحْسِن الكَهَانَةَ إِلاَّ أَنِّي خَدَعْتُهُ ، فَلَقِيني ، فَأَعْطَاني بِذلكَ هَذَا الذي أَكَلْتَ مِنْهُ ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَه فَقَاءَ كُلَّ شَيءٍ في بَطْنِهِ ، رواه البخاري .
     «الخَراجُ » : شَيءَ يَجْعَلُهُ السَّيِّدُ عَلى عَبْدِهِ يُؤدِّيهِ إلى السيِّد كُلّ يَومٍ ، وَبَاقي كَسبِهِ يَكُونُ للعَبْدِ .
595- وعن نافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللَّهُ عَنْهُ ، كَانَ فَرَضَ للْمُهاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَربَعَةَ آلافٍ ، وفَرَضَ لابْنِهِ ثلاثةَ آلافٍ وخَمْسَمائةٍ ، فَقِيلَ لَهُ : هُوَ مِنَ المُهاجِرِينَ فَلِم نَقَصْتَهُ؟ فقال : إِنَّما هَاجَر بِهِ أَبُوه يَقُولُ : لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ . رواهُ البخاري .
596- وعن عطِيَّةَ بنِ عُرْوةَ السَّعْدِيِّ الصَّحَابِيِّ رضيَ اللَّه عنهُ قالَ . قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم « لايبلغ العبدُ أَنْ يكون من المتقين حتى يَدَعَ مالا بَأْس بِهِ حَذراً مما بِهِ بَأْسٌ )).
     رواهُ الترمذي وقال :  حديثٌ حسن  .

69- باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان
أو الخوف من فتنة في الدين أو وقوع في حرام وشبهات ونحوها
قال اللَّه تعالى: { ففروا إلى اللَّه إن لكم منه نذير مبين } .
597- وعن سعد بن أبي وقَّاص رضي اللَّه عنه ، قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُول: « إِنَّ اللَّه يحِبُّ العَبدَ التَّقِيَّ الغَنِيَّ » رواه مسلم .
والمُرَاد بــ « الغَنِيِّ » : غَنِيُّ النَّفْسِ . كما سَبَقَ في الحديث الصحيح .
598- وعن أبي سعيد الخُدريِّ رضي اللَّه عنه قال : قال رَجُلُ أَيُّ النَّاسِ أفضَلُ يارسولَ اللَّه ؟ قال : « مُؤْمِنٌ مجَاهِدٌ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ في سبيل اللَّه » قال : ثم من ؟ قال : «ثم رَجُلٌ مُعتَزِلٌ في شِعْبٍ مِن الشِّعَاب يَعبُدُ رَبَّهِ » .
    وفي روايةٍ « يتَّقِي اللَّه . ويَدَع النَّاسِ مِن شَرّْهِ » متفقٌ عليه .
599- وعنه قالَ : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يُوشِكَ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَال المُسْلِم غَنَمٌ يَتَّتبَّعُ بهَا شَعَفَ الجِبَال . وموَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدينِهِ من الفِتنِ » رواه البخاري .  
و « شَعَفَ الجِبَالِ » : أَعْلاَهَا .
600- وعنْ أبي هُريرة رضيَ اللَّه عنْه . عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « ما بَعَثَ اللَّه نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ » فَقَال أَصْحابُه : وَأَنْتَ ؟ قَالَ : « نَعَمْ ، كُنْت أَرْعَاهَا عَلى قَرارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ » رواه البخاري .
601- وعنه عَنْ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنه قال : « مِنْ خَير مَعَاشِ النَّاسِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرسِهِ في سَبِيلِ اللَّه ، يَطيرُ عَلى مَتنِهِ ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً ، طارَ عَلَيْهِ يَبْتَغِي الْقَتلَ ، أَو المَوْتَ مظَانَّه ، أَوْ رَجُلٌ في غُنَيمَةٍ في رَأْسِ شَعَفَةٍ مِن هَذِهِ الشَّعَفِ ، أَوْ بَطنِ وادٍ مِن هَذِهِ الأَوديَةِ ، يُقِيم الصَّلاةَ ويُؤتي الزَّكاةَ ، ويَعْبُد رَبَّهُ حتَّى يَأْتِيَهُ اليَقِينُ ليَسَ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ في خَيْرٍ » رواه مسلم .
« يَطِيرُ » أَي يُسرع . « ومَتْنُهُ » : ظَهْرُهُ . « وَالهَيْعَةُ » : الصوتُ للحربِ . «وَالفَزَعَةُ»: نحوهُ . وَ « مَظَانُّ الشَّيءِ » : المواضع التي يُظَنُّ وجودُه فيها . « والغُنَيمَةُ » بضم الغين تصغير الغنم . « الشَّعْفَةُ » بفتح الشِّين والعين : هي أَعْلى الجبَل .

70- باب فضل الاختلاط بالناس
وحضور جمعهم وجماعاتهم ومشاهد الخير ومجالس الذكر معهم وعيادة مريضهم وحضور جنائزهم ومواساة محتاجهم وإرشاد جاهلهم وغير ذلك من مصالحهم لمن قدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقمع نفسه عن الإيذاء وصبر على الأذى.
اعْلم أَن الاخْتِلاط بالنَّاسِ على الوَجْهِ الذي ذَكَرْتُهُ هو المختار الذي كان عليه رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وسائِرُ الأَنبياءِ صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليهم ، وكذلك الخُلفاءُ الرَّاشدونَ ، وَمَنْ بعدهُم من الصَّحَابةِ والتَّابعينَ ، ومَنْ بَعدَهُم من عُلَمَاءِ المسلمينَ وأَخْيارِهم ، وهو مَذْهَبُ أَكْثَرِ التَّابعينَ ومَنْ بعدَهُم ، وَبِهِ قَالَ الشَّافعيُّ وأَحْمَدُ ، وأَكْثَرُ الفُقَهَاءِ رضي اللَّه عنهم أَجمعين . قال تعالى :  { وتَعاونُوا عَلى البِرِ والتَّقْوَِى } [ المائدة : 2 ] والآيات في معنى ما ذكرته كثيرة معلومة .

71- باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
قال اللَّه تعالى:  { واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } .
وقال تعالى:  { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي اللَّه بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين } .
وقال تعالى:  { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا؛ إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم } .
وقال تعالى:  { فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى } .
وقال تعالى:{ ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا: ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون، أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم اللَّه برحمة؟! ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون}.
602- وعن عِيَاضِ بنِ حِمَارٍ رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِن اللَّه أَوحَى إِليَّ أَنْ تَواضَعُوا حتى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلى أَحدٍ ، ولا يَبغِيَ أَحَدٌ على أَحَدٍ » رواه مسلم .
603- وعَنْ أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « ما نَقَصَتْ صَدقَةٌ من مالٍ ، وما زاد اللَّه عَبداً بِعَفوٍ إِلاَّ عِزّاً ، ومَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ » رواه مسلم.
604- وعن أَنس رضي اللَّه عنه أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبيانٍ فَسَلَّم عَلَيْهِم وقال : كان النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَفْعَلُهُ . متفقٌ عليه .
605- وعنه قال : إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِن إِمَاءِ المَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيثُ شَاءَتْ . رواه البخاري .
606- وعن الأسوَد بنِ يَزيدَ قال : سُئلَتْ عَائِشَةُ رضيَ اللَّه عنها : ما كانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَصنعُ في بَيْتِهِ ؟ قالت : كان يَكُون في مِهْنَةِ أَهْلِهِ يَعني : خِدمَةِ أَهلِه فإِذا حَضَرَتِ الصَّلاة ، خَرَجَ إِلى الصَّلاةِ ، رواه البخاري .
607- وعن أبي رِفَاعَةَ تَميم بن أُسَيدٍ رضي اللَّه عنه قال : انْتَهَيْتُ إِلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وهو يَخْطُبُ . فقلتُ : يا رسولَ اللَّه ، رجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عن دِينِهِ لا يَدري مَا دِينُهُ ؟ فَأَقْبَلَ عَليَّ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وتَركَ خُطْبتهُ حتى انتَهَى إِليَّ، فَأُتى بِكُرسِيٍّ ، فَقَعَدَ عَلَيهِ ، وجَعَلَ يُعَلِّمُني مِمَّا عَلَّمَه اللَّه ، ثم أَتَى خُطْبَتَهُ ، فأَتمَّ آخِرَهَا . رواه مسلم .
608- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كان إِذَا أَكَلَ طَعَاماً لَعِقَ أَصابِعه الثلاثَ قال : وقال : « إِذَا سَقطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ ، فَلْيُمِطْ عَنْها الأَذى ، ولْيأْكُلْها ، وَلا يَدَعْها للشَّيْطَانِ » وَأَمَر أَنْ تُسْلَتَ القَصْعَةُ قالَ : « فَإِنَّكُمْ لا تدْرُونَ في أَيِّ طَعامِكُمُ البَركَةُ» رواه مسلم .
609- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « ما بعثَ اللَّهُ نَبِيّاً إِلاَّ رعى الغنَمَ » قالَ أَصحابه : وَأَنْتَ ؟ فقال : « نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا على قَرارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ » رواهُ البخاري .
610- وعنهُ عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : لَوْ دُعِيتُ إِلى كُراعٍ أَوْ ذِرَاعٍ لقبلتُ . وَلَوْ أُهْدى إِليَّ ذِراعٌ أَو كُراعٌ لَقَبِلْتُ » رواهُ البخاري .
611- وعن أَنسٍ رضي اللَّهُ عنه قال : كَانَتْ نَاقَةُ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم العَضْبَاءُ لاَ تُسبَقُ، أو لا تكَادُ تُسْبَقُ ، فَجَاءَ أَعْرابيٌّ عَلى قَعُودٍ لهُ ، فَسبقَها ، فَشَقَّ ذلك عَلى المُسْلمِينَ حَتَّى عَرفَهُ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ: «حَقٌّ عَلى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيء مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ» رواهُ البخاري.

72- باب تحريم الكِبْر والإِعجاب
قال اللَّه تعالى:  { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، والعاقبة للمتقين } .
وقال تعالى:  { ولا تمش في الأرض مرحاً } .
وقال تعالى:  { ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً، إن اللَّه لا يحب كل مختال فخور } .
ومعنى  { تصعر خدك للناس } : أي تميله وتعرض به عن الناس تكبراً عليهم.
و { المرح } : التبختر.
وقال تعالى:  { إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم، وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، إذ قال له قومه لا تفرح إن اللَّه لا يحب الفرحين }  إلى قوله تعالى:  { فخسفنا به وبداره الأرض }  الآيات.
612- وعن عبدِ اللَّهِ بن مسعُودٍ رضيَ اللَّهُ عنه ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مثْقَالُ ذَرَّةٍ مَنْ كِبرٍ » فقال رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُه حسناً ، ونعلهُ حسنا قال : « إِنَّ اللَّه جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاسِ » رواه مسلم .
      بَطَرُ الحقِّ : دفْعُهُ وردُّهُ على قائِلِهِ . وغَمْطُ النَّاسِ : احْتِقَارُهُمْ .
613- وعنْ سلمةَ بنِ الأَكْوع رضي اللَّه عنه أَن رجُلاً أَكَل عِنْدَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بشِمالِهِ فقال : « كُلْ بِيَمِينِكَ » قالَ : لاَ أَسْتَطِيعُ ، قال : « لا اسْتَطَعْتَ » مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الكبْرُ . قال: فما رَفَعها إِلى فِيهِ . رواه مسلم .
614- وعن حَارثَةَ بنِ وهْبٍ رضي اللَّه عنه قال : سَمِعْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ : «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ ؟ : كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ » متفقٌ عليه . وتقدَّم شرحُه في باب ضَعفَةِ المسلمينَ .   
615- وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضيَ اللَّهُ عنه ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « احْتَجَّتِ الجَنَّةُ والنَّارُ ، فقالت النَّارُ : فيَّ الجَبَّارُونَ والمُتَكَبِّرُونَ ، وقالَتِ الجنَّةُ : فيَّ ضُعَفاءُ النَّاسِ ومَسَاكِينُهُمْ . فَقَضَى اللَّه بيْنَهُمَا : إِنَّكِ الجَنَّةُ رَحْمَتي ، أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وإِنَّكِ النَّارُ عذَابي ، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ ، ولِكِلَيْكُما عليَّ مِلْؤُها » رواهُ مسلم .
616- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا يَنْظُرُ اللَّه يَوْم القِيامةِ إِلى مَنْ جَرَّ إِزارَه بَطَراً » متفقٌ عليه .
617- وعنه قال : قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « ثَلاثةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّه يَوْمَ القِيامَةِ ، وَلا يُزَكِّيهِمْ ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زانٍ ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ ، وعائلٌ مُسْتَكْبِرٌ» رواهُ مسلم « العائِلُ » : الفَقِير .
618- وعنه قال : قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « قال اللَّه عزَّ وجلَّ : العِزُّ إِزاري ، والكِبْرياءُ رِدَائِي ، فَمَنْ يُنَازعُني في واحدٍ منهُما فقدْ عذَّبتُه » رواه مسلم .
619- وعنْه أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « بيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي في حُلَّةٍ تُعْجِبُه نفْسُه ، مرَجِّلٌ رأسَه ، يَخْتَالُ في مَشْيَتِهِ ، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ ، فهو يَتَجَلْجَلُ في الأَرْضِ إلى يوْمِ القِيامةِ » متفقٌ عليه .
« مُرجِّلٌ رَأْسَهُ » أَي : مُمَشِّطُهُ . « يَتَجلْجَلُ » بالجيمين : أَيْ : يغُوصُ وينْزِلُ .
620- وعن سَلَمَة بنِ الأَكْوع رضيَ اللَّه عنه قال : قال رسُولُ اللِّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا يزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ في الجَبَّارينَ ، فَيُصِيبُهُ ما أَصابَهمْ » رواهُ الترمذي وقال : حديث حسن .
       « يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ » أَي : يَرْتَفعُ وَيَتَكَبَّرُ .

73- باب حسن الخلق
قال اللَّه تعالى:  { وإنك لعلى خلق عظيم } .
وقال تعالى:  { والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس }  الآية.
621- وعن أَنسٍ رضيَ اللَّه عنه قال :كانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَحْسنَ النَّاسِ خُلقاً .متفقٌ عليه.
622- وعنه قال : مَا مَسِسْتُ دِيباجاً ولاَ حَرِيراً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَلاَ شَمَمْتُ رائحَةً قَطُّ أَطْيَبَ مِن رَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَلَقَدْ خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عشْرَ سِنينَ ، فَما قالَ لي قَطُّ : أُفٍّ ، وَلا قالَ لِشَيْءٍ فَعلْتُهُ : لِمَ فَعَلْتَهُ؟  ولا لشيءٍ لَمْ افعَلْهُ : أَلاَ فَعَلْتَ كَذا ؟ متفقٌ عليه .
623- وعن الصَّعبِ بنِ جَثَّامَةَ رضيَ اللَّهُ عنه قال : أَهْدَيْتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حِمَاراً وَحْشِياً ، فَرَدُّهُ عليَّ ، فلمّا رأَى مَا في وَجْهي قالَ : « إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ لأَنَّا حُرُمٌ » متفقٌ عليه .
624- وعن النَّوَّاسِ بنِ سمعانَ رضي اللَّه عنه قال : سأَلتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عنِ البِرِّ والإِثمِ فقالَ : « البِرُّ حُسنُ الخُلُقِ ، والإِثمُ : ما حاكَ في نَفْسِكَ ، وكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلعَ عَلَيْهِ النَّاسُ » رواهُ مسلم .
625- وعن عبد اللَّهِ بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما قال : لم يكن رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَاحِشاً ولا مُتَفَحِّشاً . وكانَ يَقُولُ : « إِنَّ مِن خِيارِكُم أَحْسَنَكُم أَخْلاقاً » متفقٌ عليه.
626- وعن أبي الدرداءِ رضي اللَّه عنه : أَن النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « ما من شَيءٍ أَثْقَلُ في ميزَانِ المُؤمِنِ يَومَ القِيامة من حُسْنِ الخُلُقِ . وإِنَّ اللَّه يُبغِضُ الفَاحِشَ البَذِيِّ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
« البِذيُّ » : هو الذي يَتَكَلَّم بالفُحْشِ . ورِديء الكلامِ .
627- وعن أبي هُريرة رضيَ اللَّه عنه قال : سُئِلَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَنْ أَكثرِ مَا يُدْخلُ النَّاس الجَنَّةَ ؟ قال : « تَقْوى اللَّهِ وَحُسنُ الخُلُق وَسُئِلَ عن أَكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ: « الفَمُ وَالفَرْجُ » .
رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
628- وعنه قال : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَكْمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَاناً أَحسَنُهُم خُلُقاً ، وخيارُكُم خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهمْ » .
رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
629- وعن عائشةَ رضيَ اللَّه عنها ، قالت سمعت رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « إِنَّ الُمؤْمِنَ لَيُدْركُ بِحُسنِ خُلُقِه درَجةَ الصائمِ القَائمِ » رواه أبو داود .
630- وعن أبي أُمَامَة الباهِليِّ رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِراءَ . وَإِنْ كَانَ مُحِقّاً ، وَببيتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ ، وإِن كَانَ مازِحاً ، وَببيتٍ في أعلى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ » حديث صحيح ، رواه أبو داود بإِسناد صحيح .
          « الزَّعِيمُ » : الضَّامِنُ .
631- وعن جابر رضي اللَّه عنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِن مِنْ أَحَبِّكُم إِليَّ ، وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجلساً يَومَ القِيَامَةِ ، أَحَاسِنَكُم أَخلاقاً . وإِنَّ أَبَغَضَكُم إِليَّ وَأَبْعَدكُم مِنِّي يومَ الْقِيامةِ ، الثَّرْثَارُونَ والمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ » قالوا : يا رسول اللَّه قَدْ عَلِمْنَا الثَرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ ، فَمَا المُتَفيْهِقُونَ ؟ قال : « المُتَكَبِّروُنَ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
    « الثَّرثَارُ » : هُوَ كَثِيرُ الكَلامِ تَكلُّفاً . « وَالمُتَشَدِّقُ » : المُتَطاوِلُ عَلى النَّاسِ بِكَلامِهِ ، وَيتَكَلَّمُ بِملءِ فيه تَفَاصُحاً وَتَعْظِيماً لكلامِهِ ، « وَالمُتَفَيْهِقُ » : أَصلُهُ مِنَ الفَهْقِ ، وهُو الامْتِلاءُ ، وَهُوَ الذي يَمْلأ فَمَهُ بِالكَلامِ ، وَيَتَوَسَّعُ فيه ، وَيُغْرِب بِهِ تَكَبُّراً وَارتِفَاعاً ، وإِظْهَاراً للفَضِيلَةِ عَلى غيَرِهِ .
 وروى الترمذي عن عبد اللَّه بن المباركِ رحِمه اللَّه في تَفْسير حُسْنِ الخُلُقِ قال : هُوَ طَلاقَهُ الوجه . وبذلُ المَعرُوف ، وكَفُّ الأَذَى .

74- باب الحلم والأناة والرفق
قال اللَّه تعالى:  { والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } .
وقال تعالى:  { خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين } .
وقال تعالى:  { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم؛ وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم } .
وقال تعالى:  { ولمن صبر وغفر، إن ذلك من عزم الأمور } .
632- وعن ابنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لأَشَجِّ عبْدِ الْقَيْس: « إِنَّ فيك خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ : الحِلْمُ وَالأَنَاة » رَواهُ مُسلم .
633- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّ اللَّه رفيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ في الأَمْرِ كُلِّه » متفقٌ عليه .
634- وعنها أَن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ ، وَيُعْطِي على الرِّفق مالا يُعطي عَلى العُنفِ وَما لا يُعْطِي عَلى ما سِوَاهُ » رواه مسلم .
635- وعنها أَن النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّ الرِّفقُ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلاَّ زَانَهُ ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلاَّ شَانَهُ » رواه مسلم .
636- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : بَال أَعْرَابيٌّ في المسجِد ، فَقَامَ النَّاسُ إِلَيْه لِيَقَعُوا فِيهِ ، فقال النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : دَعُوهُ وَأَرِيقُوا عَلى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوباً مِن مَاءٍ ، فَإِنَّما بُعِثتُم مُيَسِّرِينَ ولَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ » رواه البخاري .
      « السَّجْلُ » بفتح السين المهملة وإسكان الجيم : وَهِيَ الدُّلوُ المُمْتَلِئَةُ ماء ، كَذلِكَ الذَّنُوبُ.
637- وعن أَنس رضي اللَّه عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « يسِّرُوا وَلا تُعَسِّروا . وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا » متفقٌ عليه .
638- وعن جرير بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال : سمعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ : «مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرمِ الخيْرَ كُلَّهُ » رواه مسلم .
639- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَنَّ رَجُلاً قال للنَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : أَوْصِني قال : « لا تَغْضَبْ » فَرَدَّدَ مِرَاراً ، قال : « لا تَغْضَبْ » رواه البخاري .
640- وعن أبي يعلَى شدَّاد بن أَوسٍ رضي اللَّه عنه ، عن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّ اللَّه كَتَبَ الإِحسَان على كُلِّ شَيءٍ ، فإِذا قَتلتُم فَأَحسِنُوا القِتْلَةَ وَإِذَا ذَبحْتُم فَأَحْسِنُوا الذِّبْحة وليُحِدَّ أَحَدُكُم شَفْرتَه وَليُرِحْ ذَبيحَتَهُ » رواه مسلم .
641- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت : مَا خُيِّر رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بَينَ أَمْرينِ قَطُّ إِلاَّ أَخذَ أَيْسَرَهُمَا ، مَا لَم يَكُن إِثماً ، فإنْ كانَ إِثماً كَانَ أَبعد النَّاسِ مِنْهُ . ومَا انتَقَمَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لِنَفْسِهِ في شَيءٍ قَطُّ ، إِلاَّ أَن تُنتَهكَ حُرْمَةُ اللَّهِ ، فَينتَقِم للَّهِ تعالى . متفقٌ عليه.
642- وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَلا أَخْبرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ ؟ تَحْرُمُ على كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ ليِّنٍ سَهْلٍ».
رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .

75- باب العفو والإِعراض عن الجاهلين
قال اللَّه تعالى:  { خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين } .
وقال تعالى:  { فاصفح الصفح الجميل } .
وقال تعالى:  { وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر اللَّه لكم؟ } .
وقال تعالى:  { والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين } .
وقال تعالى:  { ولمن صبر وغفر، إن ذلك من عزم الأمور }  والآيات في الباب كثيرة معلومة.
643- وعن عائشة رضي اللَّه عنها أَنها قالت للنبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : هل أَتى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشدَّ مِنْ يوم أُحُدٍ ؟ قال : « لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَومِكِ ، وكَان أَشدُّ ما لَقِيتُ مِنْهُمْ يوْم العقَبَةِ ، إِذْ عرَضتُْ نَفسِي على ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ ابنِ عبْدِ كُلال ، فلَمْ يُجبنِى إِلى ما أَردْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ على وَجْهِي ، فلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنا بقرنِ الثَّعالِبِ ، فَرفَعْتُ رأْسِي ، فَإِذا أَنَا بِسحابَةٍ قَد أَظلَّتني ، فنَظَرتُ فَإِذا فِيها جِبريلُ عليه السلام ، فنَاداني فقال : إِنَّ اللَّه تعالى قَد سَمِع قَولَ قومِك لَكَ، وَما رَدُّوا عَلَيكَ ، وَقد بعثَ إِلَيك ملَكَ الجبالِ لِتأْمُرهُ بما شِئْتَ فِيهم فَنَادَانِي ملَكُ الجِبَالِ ، فَسلَّمَ عَليَّ ثُمَّ قال : يا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّه قَد سمعَ قَولَ قَومِكَ لَكَ ، وأَنَا مَلَكُ الجِبالِ ، وقَدْ بَعَثَني رَبِّي إِلَيْكَ لِتأْمُرَني بِأَمْرِكَ ، فَمَا شئتَ : إِنْ شئْتَ : أَطْبَقْتُ عَلَيهمُ الأَخْشَبَيْن » فقال النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « بلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّه مِنْ أَصْلابِهِم منْ يعْبُدُ اللَّه وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً » متفقٌ عليه .
       « الأَخْشبان » : الجبلان المُحِيطَان بمكَّة .. والأَخْشَبُ : هو الجبل الغليظ .
644- وعنها قالت : ما ضرَبَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم شَيْئاً قَطُّ بِيَدِهِ ، ولا امْرأَةً ولا خادِماً، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ في سَبِيل اللَّهِ ، وما نِيل منْهُ شيء قَطُّ فَيَنتَقِم مِنْ صاحِبِهِ إِلاَّ أَنْ يُنتَهَكَ شَيء مِن مَحَارِمِ اللَّهِ تعالى : فَيَنْتَقِمَ للَّهِ تعالى . رواه مسلم .
645- وعن أَنس رضي اللَّه عنه قال : كُنتُ أَمْشِي مَعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وعليه بُردٌ نَجْرَانيٌّ غلِيظُ الحَاشِيةِ ، فأَدركَهُ أَعْرَابيٌّ ، فَجبذهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَة شَديدَةً ، فَنظرتُ إلى صفحة عاتِقِ النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وقَد أَثَّرَت بِها حَاشِيةُ الرِّداءِ مِنْ شِدَّةِ جَبذَتِهِ ، ثُمَّ قال : يَا مُحَمَّدُ مُرْ لي مِن مالِ اللَّهِ الذي عِندَكَ . فالتَفَتَ إِلَيْه ، فضحِكَ ، ثُمَّ أَمر لَهُ بعَطَاءٍ . متفقٌ عليه .
646- وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال : كأَنِّي أَنظُرُ إلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يحْكِي نَبِيّاً مِن الأَنبياءِ ، صلوَاتُ اللَّهِ وَسلامُه عَلَيهم ، ضَرَبَهُ قَومُهُ فَأَدموهُ ، وَهُوَ يَمسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجهِهِ ، ويقول : « اللَّهُمَّ اغفِرِ لِقَومي فَإِنَّهُم لا يَعْلَمُونَ » متفقٌ عليه .
647- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لَيس الشَّديدُ بِالصُّرعَةِ ، إِنَّما الشديدُ الذي يَملِكُ نفسهُ عِند الغضبِ » متفقٌ عليه .

76- باب احتمال الأذى
قال اللَّه تعالى:  { والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } .
وقال تعالى:  { ولمن صبر وغفر، إن ذلك من عزم الأمور } .
وفي الباب الأحاديث السابقة في الباب قبله.
648- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَن رجلاً قال : يا رسول اللَّه إِنَّ لي قَرَابَةً أَصِلُهم وَيَقطَعوني ، وَأُحسِنُ إِليهِم ويُسِيئُونَ إليَّ ، وأَحلُمُ عَنهم ويجهلُونَ عَلَيَّ ، فقال : « لَئِن كُنتَ كَمَا قُلتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفَّهم الملَّ ولا يزَالُ معكَ من اللَّه تعالى ظَهيرٌ عَلَيهم ما دُمْتَ عَلى ذلك » رواه مسلم . وقد سَبَقَ شَرْحُه في « باب صلة الأرحام » .

77- باب الغضب إذا انتهكت حرمات الشرع
والانتصار لدين الله تعالى
قال اللَّه تعالى:  { ومن يعظم حرمات اللَّه فهو خير له عند ربه } .
وقال تعالى:  { إن تنصروا اللَّه ينصركم ويثبت أقدامكم } .
649- وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدريِّ رضي اللَّه عنه قال : جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فقال : إنِّي لأتَأَخَّر عَن صَلاةِ الصُّبْحِ مِن أجْلِ فلانٍ مِما يُطِيل بِنَا ، فمَا رأيت النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  غَضِبَ في موعِظَةٍ قَطُّ أَشدَّ ممَّا غَضِبَ يَومئذٍ ، فقال : يَا أَيهَا النَّاس : إنَّ مِنكم مُنَفِّرين . فأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَليُوجِز ، فإنَّ مِنْ ورائِهِ الكَبيرَ والصَّغيرَ وذا الحَاجَةِ » متفق عليه.
650- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت : قدِمَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ سفَرٍ ، وقَد سَتَرْتُ سَهْوةً لي بقِرامٍ فَيهِ تَمَاثيلُ ، فَلمَّا رآهُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  هتكَهُ وتَلَوَّنَ وجهُهُ وقال : « يَا عائِشَةُ : أَشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً عِند اللَّهِ يوم القيامةِ الَّذينَ يُضاهُونَ بِخَلقِ اللَّهِ » متفق عليه .
« السَّهْوَةُ » : كالصُّفَّة تكُونُ بين يدي البيت ... و « القِرام » بكسر القاف : ستر رقيق، و « هتكه » : أفسد الصورة التي فيه .
651- وعنها أَنَّ قريشاً أَهَمَّهُم شَأْنُ المرأةِ المَخزُومِية التي سَرقَت فقالوا : من يُكلِّمُ فيها رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ؟ فقالوا : مَن يجتَرِيءُ عليهِ إلا أُسامةُ بنُ زيدٍ حِبُّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  ؟ فَكَلًَّمهُ أُسامةُ ، فقالِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَتَشفعُ في حدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ تعالى ؟ ، » ثم قامَ فَاخْتَطَبَ ثم قال : « إنما أهْلَكَ من قبلكُم أنَّهُم كانُوا إذَا سرقَ فِيهِم الشَّريفُ تَركُوهُ ، وإذا سرق فِيهمِ الضَّعِيفُ أَقامُوا عليهِ الحدَّ، وايْمُ اللَّه ، لو أنَّ فاطمَة بنت محمدٍ سرقَتْ لقَطَعْتُ يَدهَا » متفقٌ عليه .
652- وعن أنس رضي اللَّه عنه أن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم رَأَى نُخامَةً في القِبلةِ . فشقَّ ذلكَ عَلَيهِ حتَّى رُؤِي في وجهِهِ ، فَقَامَ فَحَكَّهُ بيَدِهِ فقال : « إن أحَدكم إذا قَام في صَلاتِه فَإنَّهُ يُنَاجِي ربَّه ، وإنَّ ربَّهُ بَينَهُ وبَينَ القِبْلَةِ ، فلا يَبْزُقَنَّ أَحدُكُم قِبلَ القِبْلَةِ ، ولكِن عَنْ يَسَارِهِ أوْ تحْتَ قدَمِهِ » ثُمَّ أخَذَ طرفَ رِدائِهِ فَبصقَ فِيهِ ، ثُمَّ ردَّ بَعْضَهُ على بعْضٍ فقال : « أَو يَفْعَلُ هكذا» متفقٌ عليه .
والأمرُ بالبُصاقِ عنْ يسَارِهِ أو تحتَ قَدمِهِ هُوَ فيما إذا كانَ في غَيْرِ المَسجِدِ ، فَأَمَّا في المسجِدِ فَلا يَبصُقْ إلاَّ في ثوبِهِ .

78- باب أمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم والشفقة عليهم والنهي عن غشهم والتشديد عليهم وإهمال مصالحهم والغفلة عنهم وعن حوائجهم
قال اللَّه تعالى:  { واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } .
وقال تعالى:  { إن اللَّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون } .
653- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال : سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « كُلُّكُم راعٍ ، وكُلُّكُمْ مسؤولٌ عنْ رعِيتِهِ : الإمامُ راعٍ ومَسْؤُولٌ عَنْ رعِيَّتِهِ ، والرَّجُلُ رَاعٍ في أهلِهِ وَمسؤولٌ عنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالمَرأَةُ راعيةٌ في بيتِ زَوجها وَمسؤولةًّ عَنْ رعِيَّتِها ، والخَادِمُ رَاعٍ في مال سَيِّدِهِ وَمَسؤُولٌ عَنْ رَعِيتِهِ ، وكُلُّكُم راع ومسؤُولٌ عَنْ رعِيَّتِهِ » متفقٌ عليه .
654- وعن أبي يَعْلى مَعْقِل بن يَسَارٍ رضي اللَّه عنه قال : سمعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « ما مِن عبدٍ يسترعِيهِ اللَّه رعيَّةً ، يَمُوتُ يومَ يَموتُ وهُوَ غَاشٌ لِرَعِيَّتِهِ ، إلاَّ حَرَّمَ اللَّه علَيهِ الجَنَّةَ » متفقٌ عليه .
وفي روايةٍ : « فَلَم يَحُطهَا بِنُصْحهِ لم يجِد رَائحَةَ الجَنَّة » .
وفي روايةٍ لمسـلم : « ما مِن أَمِيرٍ يَلِي أُمورَ المُسلِمينَ ، ثُمَّ لا يَجهَدُ لَهُم ، ويَنْصحُ لهُم، إلاَّ لَم يَدخُل مَعَهُمُ الجَنَّةَ » .
655- وعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول في بيتي هذا : « اللهم من وَلي من أمر أُمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ، ومن وَلِيَ من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به » رواه مسلم .
656- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « كَانَت بَنُو إسرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبياءُ ، كُلَّما هَلَكَ نبي خَلَفَهُ نبي ، وَإنَّهُ لا نبي بَعدي ، وسَيَكُونُ بَعدي خُلَفَاءُ فَيَكثُرُونَ » قالوا : يَا رسول اللَّه فَما تَأْمُرُنَا ؟ قال : « أَوفُوا بِبَيعَةِ الأَوَّلِ فالأَوَّلِ ، ثُمَّ أَعطُوهُم حَقَّهُم ، وَاسأَلوا اللَّه الذي لَكُم ، فَإنَّ اللَّه سائِلُهم عمَّا استَرعاهُم » متفق عليه .
657- وعن عائِذ بن عمروٍ رضي اللَّه عنه أَنَّهُ دَخَلَ على عُبيدِ اللَّهِ ابن زِيادٍ ، فقال له : أَيْ بُنَيَّ ، إني سَمِعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « إنَّ شَرَّ الرِّعاءِ الحُطَمةُ » فإيَّاكَ أن تَكُونَ مِنْهُم ، متفقٌ عليه .
658- وعن أبي مريمَ الأَزدِيِّ رضي اللَّه عنه ، أَنه قَالَ لمعَاوِيةَ رضي اللَّه عنه : سَمِعتُ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  يقول : « من ولاَّهُ اللَّه شَيئاً مِن أُمورِ المُسلِمينَ فَاحَتجَبَ دُونَ حَاجتهِمِ وخَلَّتِهم وفَقرِهم ، احتَجَب اللَّه دُونَ حَاجَتِه وخَلَّتِهِ وفَقرِهِ يومَ القِيامةِ » فَجعَل مُعَاوِيةُ رجُلا على حَوَائجِ الناسِ . رواه أبو داودَ ، والترمذي .



79- باب الوالي العادل
قال اللَّه تعالى:  { إن اللَّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى }  الآية.
وقال تعالى:  { وأقسطوا إن اللَّه يحب المقسطين } .
659- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه ، عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّه في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ : إمَامٌ عادِلٌ ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبادَةِ اللَّهِ تَعالى ، ورَجُلٌ مُعَلَّقٌ قَلبُهُ في المَسَاجِدِ ، ورجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه ، اجتَمعَا عليهِ ، وتَفرَّقَا علَيهِ ، ورجُلٌ دعَتهُ امرَأَةٌ  ذَاتُ مَنصِب وجمَالٍ ، فقَال : إنِّى أَخَافُ اللَّه ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصدقةٍ ، فَأَخْفَاها حَتَّى لا تَعلَمَ شِمالُهُ ما تُنفِقُ يميِنُهُ ، ورَجُلٌ ذَكَر اللَّه خَالِياً فَفَاضَتْ عينَاهُ » متفقٌ عليه .
660- وعن عبد اللَّهِ بنِ عمرو بن العاص رضي اللَّهُ عنهما قال : قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « إنَّ المُقسِطينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلى مَنابِرَ مِنْ نورٍ : الَّذِينَ يعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وأَهليهِمْ وما وُلُّوا » رواهُ مسلم .
661- وعَن عوفِ بن مالكٍ رضي اللَّه عنه قال : سمِعْتُ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ : «خِيَارُ أَئمَتكُمْ الَّذينَ تُحِبُّونهُم ويُحبُّونكُم ، وتُصَلُّونَ علَيْهِم ويُصَلُّونَ علَيْكُمْ ، وشِرَارُ أَئمَّتِكُم الَّذينَ تُبْغِضُونهُم ويُبْغِضُونَكُمْ ، وتَلْعُنونَهُمْ ويلعنونكم » قال : قُلْنا يا رسُول اللَّهِ ، أَفَلا نُنابِذُهُمْ ؟ قالَ : « لا ، ما أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ ، لا ، ما أَقَامُوا فيكُمُ الصَلاة » مسلم.
       قوله : « تُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ » : تَدْعونَ لهُمْ .
662- وعَنْ عِيَاضِ بن حِمار رضي اللَّهُ عَنْهْ قالَ : سمِعْت رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقولُ : «أَهْلُ الجَنَّةِ ثَلاثَةٌ : ذُو سُلْطانٍ مُقْسِطٌ مُوَفَّقٌ ، ورَجُلٌ رَحِيمٌ رَقيقٌ القَلْبِ لِكُلِّ ذِى قُرْبَى وَمُسْلِمٍ ، وعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيالٍ » رواهُ مسلم .


80- باب وجوب طاعة ولاة الأمور في غير معصية
وتحريم طاعتهم في المعصية
قال اللَّه تعالى:  { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللَّه، وأطيعوا الرسول، وأولي الأمر منكم } .
663- وعن ابن عمر رضي اللَّهُ عنهما عَن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  قال : « عَلى المَرْءِ المُسْلِم السَّمْعُ والطَّاعَةُ فِيما أَحَبَّ وكِرَهَ ، إِلاَّ أنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَإذا أُمِر بِمعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلا طاعَةَ » متفقٌ عليه .
664- وعنه قال : كُنَّا إذا بايَعْنَا رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  عَلى السَّمْعِ والطَّاعةِ يقُولُ لَنَا : «فيما اسْتَطَعْتُمْ » متفقٌ عليه .
665- وعنهُ قال : سَمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  يقول : « مَنْ خلَعَ يَداً منْ طَاعَةٍ لَقِى اللَّه يوْم القيامَةِ ولاَ حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ ماتَ وَلَيْس في عُنُقِهِ بيْعَةٌ مَاتَ مِيتةً جَاهِلًيَّةً » رواه مسلم .
وفي روايةٍ له : « ومَنْ ماتَ وَهُوَ مُفَارِقٌ للْجَماعةِ ، فَإنَّهُ يمُوت مِيتَةً جَاهِليَّةً » . « المِيتَةُ » بكسر الميم .
666- وعَن أنَسٍ رضي اللَّهُ عنه قال : قال رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « اسْمَعُوا وأطيعوا ، وإنِ اسْتُعْمِل علَيْكُمْ عبْدٌ حبشىٌّ ، كَأَنَّ رَأْسهُ زَبِيبَةٌ » رواه البخاري .
667- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : قالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « عليْكَ السَّمْعُ وَالطَّاعةُ في عُسْرِكَ ويُسْرِكَ وَمنْشَطِكَ ومَكْرهِكَ وأَثَرَةٍ عَلَيْك » رواهُ مسلم .
668- وعن عبدِ اللَّهِ بن عَمرو رضي اللَّه عنهما قال : كُنَّا مَع رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  في سَفَرٍ ، فَنَزَلْنا منْزِلاً ، فَمِنَّا منْ يُصلحُ خِباءَهُ ، ومِنَّا منْ ينْتَضِلُ ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ في جَشَرِهِ، إذْ نادَى مُنَادي رسول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : الصَّلاة جامِعةٌ . فاجْتَمعْنَا إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  فقال : « إنَّهُ لَمْ يَكُنْ نبي قَبْلي إلاَّ كَانَ حَقا علَيْهِ أنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلى خَيرِ ما يعْلَمُهُ لهُمْ ، ويُنذِرَهُم شَرَّ ما يعلَمُهُ لهُم ، وإنَّ أُمَّتَكُمْ هذِهِ جُعِلَ عَافيتُها في أَوَّلِها ، وسَيُصِيبُ آخِرَهَا بلاءٌ وأُمُورٌ تُنكِرُونَهَا، وتجيءُ فِتَنٌ يُرقِّقُ بَعضُها بَعْضاً ، وتجيء الفِتْنَةُ فَيقُولُ المؤمِنُ : هذِهِ مُهْلِكَتي ، ثُمَّ تَنْكَشِفُ ، وتجيءُ الفِتنَةُ فَيَقُولُ المُؤْمِنُ : هذِهِ هذِهِ ، فَمَنْ أَحَبَّ أنْ يُزَحْزَحَ عن النَّارِ ، ويُدْخَلَ الجنَّةَ ، فَلْتَأْتِهِ منيته وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ، ولَيَأْتِ إلى الناسِ الذي يُحِبُّ أَنْ يُؤتَى إلَيْهِ .
        ومَنْ بَايع إماماً فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يدِهِ ، وثمَرةَ قَلْبهِ . فَليُطعْهُ إنِ اسْتَطَاعَ ، فَإنْ جَاءَ آخَرُ ينازعُهُ ، فاضْربُوا عُنُقَ الآخَرِ »  رواهُ مسلم .
قَوْله : « ينْتَضِلُ » أي : يُسابِقُ بالرَّمْي بالنَّبْل والنُّشَّاب . « والجَشَرُ » بفتح الجيم والشين المعجمة وبالراءِ : وهي الدَّوابُّ التي تَرْعَى وتَبيتُ مَكانَها . وقوله: « يُرقَّقُ بعْضُهَا بَعضاً » أي : يُصيِّرُ بعضَها بعضاً رقِيقاً ، أي : خَفِيفاً لِعِظَمِ مابعْدَهُ ، فالثَّاني يُرقَّقُ الأَوَّلَ . وقيلَ : معناهُ: يُشَوِّقُ بَعْضُهَا إلى بعْضٍ بتحْسينها وتسْويلها وقيلَ : يُشْبهُ بعضُها بَعْضاً .
669- وعن أبي هُنَيْدةَ وائِلِ بن حُجْرٍ رضي اللَّه عنه قالَ : شأَلَ سَلَمةُ بنُ يزيدَ الجُعْفيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فقالَ : يا نبي اللَّهِ ، أرَأَيْتَ إنْ قَامَتْ علَيْنَا أُمراءُ يَسأَلُونَا حقَّهُمْ ، ويمْنَعُونَا حقَّنا ، فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ فَأَعْرضَ عنه ، ثُمَّ سألَهُ ، فَقَال رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم « اسْمَعُوا وأطِيعُوا ، فَإنَّما علَيْهِمْ ماحُمِّلُوا وعلَيْكُم ما حُمِّلْتُمْ » رواهُ مسلم .
670- وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه قال : قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إنَّهَا ستَكُونُ بعْدِي أَثَرَةٌ ، وأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ، » قالوا : يا رسُولَ اللَّهِ ، كَيفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْركَ مِنَّا ذلكَ ؟ قَالَ : « تُؤَدُّونَ الحَقَّ الذي عَلَيْكُمْ ، وتَسْأَلُونَ اللَّه الذي لَكُمْ » متفقٌ عليه .
671- وعن أبي هريرة رضي اللَّهُ عنه قال : قال رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ أَطَاعَني فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه ، وَمَنْ عَصَاني فَقَدْ عَصَى اللَّه ، وَمَنْ يُطِعِ الأمِيرَ فَقَدْ أطَاعَني ، ومَنْ يعْصِ الأمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي » متفقٌ عليه .
672- وعن ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما أن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « من كَرِه مِنْ أَمِيرِهِ شيْئاً فَليَصبِر ، فإنَّهُ مَن خَرج مِنَ السُّلطَانِ شِبراً مَاتَ مِيتَةً جاهِلِيةً » متفقٌ عليه .
673- وعن أبي بكر رضي اللَّه عنه قال : سمعت رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « مَن أهَانَ السُّلطَانَ أَهَانَهُ اللَّه » رواه الترمذي وقال : حديث حسن .
وفي الباب أحاديث كثيرة في الصحيح ، وقد سبق بعضها في أبواب .

81- باب النهي عن سؤال الإمارة واختيار ترك الولايات
إذا لم يتعين عليه أو تَدْعُ حاجة إليه
قال اللَّه تعالى:{تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً،والعاقبة للمتقين}.
674- وعن أبي سعيد عبد الرحمنِ بن سَمُرةَ رضي اللَّه عنه ، قال : قال لي رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يَا عَبدَ الرَّحمن بن سمُرَةَ : لا تَسأَل الإمارَةَ ، فَإنَّكَ إن أُعْطِيتَها عَن غَيْرِ مسأَلَةٍ أُعنتَ علَيها ، وإن أُعطِيتَها عَن مسأَلةٍ وُكِلتَ إلَيْها ، وإذَا حَلَفْتَ عَلى يَمِين ، فَرَأَيت غَيرها خَيراً مِنهَا ، فَأْتِ الذي هُو خيرٌ ، وكفِّر عَن يَمينِكَ » متفقٌ عليه .
675- وعن أبي ذرٍ رضي اللَّه عنه قال : قال لي رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « يا أبا ذَر أَرَاك ضعِيفاً، وإني أُحِبُّ لكَ ما أُحِبُّ لِنَفسي، لا تَأَمَّرنَّ على اثْنيْن ولا تولِّيَنَّ مال يتِيمِ» رواه مسلم.
676- وعنه قال : قلت : يا رسول اللَّه ألا تَستعمِلُني ؟ فضَرب بِيدِهِ على منْكبِي ثُمَّ قال: « يا أبا ذَرٍّ إنَّكَ ضَعِيف ، وإنَّهَا أَمانة ، وإنَّها يوم القيامَة خِزْيٌ ونَدَامةٌ ، إلاَّ من أخَذها بِحقِّها ، وأدى الذي عليهِ فِيها » رواه مسلم .
677- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  قال : « إنَّكم ستحرِصون على الإمارةِ ، وستَكُونُ نَدَامَة يوْم القِيامَةِ » رواهُ البخاري .


82- باب حَثّ السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور
على اتخاذ وزير صالح وتحذيرهم من قرناء السوء والقبول منهم
قال اللَّه تعالى:  { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } .
678- عن أبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي اللَّه عنهما أن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مَا بَعَثَ اللَّهُ مِن نبي ، ولا استَخْلَف مِنْ خَليفَةٍ إلاَّ كَانَتْ لَهُ بِطَانتَانِ : بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ وَتحُضُّهُ عليه ، وبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وتحُضُّهُ عليهِ والمَعصُومُ من عَصَمَ اللَّهُ » رواه البخاري .
679- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالتْ : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم  : « إذا أرَادَ اللَّه بالأمِيرِ خيراً ، جَعَلَ له وزيرَ صِدقٍ ، إن نَسي ذكَّرهُ ، وَإن ذَكَرَ أعَانَهُ ، وَإذا أَرَاد بهِ غَيرَ ذلك جعَلَ له وَزِيرَ سُوءٍ ، إن نَسي لم يُذَكِّره ، وَإن ذَكَرَ لم يُعِنْهُ». رواه أبو داود بإسناد جيدٍ على شرط مسلم .

83- باب النهي عن تولية الإِمارة والقضاء وغيرهما
من الولايات لمن سألها أو حرص عليها فعرّض بها

680- عن أبي موسى الأَشعريِّ رضي اللَّه عنه قال : دخَلتُ على النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أنَا وَرَجُلانِ مِنْ بني عَمِّي ، فقال أحَدُهُمَا : يا رسولَ اللَّه أمِّرنَا عَلى بعضِ مَا ولاَّكَ اللَّه ، عزَّ وجلَّ ، وقال الآخرُ مِثْلَ ذلكَ ، فقال : « إنَّا واللَّه لا نُوَلِّي هذَا العَمَلَ أحداً سَأَلَه ، أو أحَداً حَرَص عليه » .

--------------


كتاب الأدب

84- باب الحياء وفضله والحثِّ على التخلق به

681- عن ابْنِ عُمَرَ رضي اللَّه عنهما أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ في الحَيَاءِ ، فَقَالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « دَعْهُ فإِنَّ الحياءَ مِنَ الإِيمانِ » متفقٌ عليه .
682- وعن عِمْران بن حُصَيْن ، رضي اللَّه عنهما ، قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «الحياَءُ لا يَأْتي إلاَّ بِخَيْرٍ » متفق عليه .
وفي رواية لمسلم : « الحَياءُ خَيْرٌ كُلُّهُ » أوْ قَالَ : « الحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ » .
683- وعن أبي هُريرة رضي اللَّه عنه ، أنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « الإيمَانُ بِضْع وسبْعُونَ ، أوْ بِضْعُ وَسِتُّونَ شُعْبةً ، فَأَفْضَلُها قوْلُ لا إله إلاَّ اللَّه ، وَأدْنَاها إمَاطةُ الأَذَى عنَ الطَّرِيقِ ، والحياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ » متفق عليه .
« البِضْعُ » : بكسر الباء . ويجوز فتحها ، وَهُوَ مِن الثلاثةِ إلى الْعَشَرَةِ . « وَالشُّعْبَةُ » : الْقِطْعَةُ والحَضْلَةُ . « وَالإماطَةُ » : الإزَالَةُ ، « وَالأَذَى »: مَا يُؤذِي كَحجَرٍ وَشَوْكٍ وَطينٍ وَرَمَادٍ وَقَذَرٍ وَنحوِ ذلكَ .
684- وعن أبي سعيد الخُدْرِيِّ رضي اللَّه عنه ، قال : كان رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَشَدَّ حَيَاءَ مِنَ الْعَذْرَاءِ في خِدْرِهَا ، فَإذَا رأى شَيْئاً يَكْرَهُه عَرَفْنَاهُ في وَجْهِهِ . متفقٌ عليه .
قال العلماءُ : حَقِيقَةُ الحَياء خُلُقٌ يبْعثُ على تَرْكِ الْقَبِيحِ ، ويمْنَعُ منَ التقْصير في حَقِّ ذِي الحَقِّ . وَروَيْنَا عنْ أبي الْقَاسم الجُنيْدِ رَحمَهُ اللَّه قال : الحَيَاءُ رُؤيَةُ الآلاء     أي : النِّعمِ     ورؤْيةُ التَّقْصِيرِ . فَيَتوَلَّدُ بيْنَهُمَا حالة تُسَمَّى حياءً


85- باب حفظ السر
قال اللَّه تعالى:  { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً } .
685- وعن أبي سعيد الخُدْرِيِّ رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَة يَوْم الْقِيامَةِ الرَّجُل يُفضِي إلى المَرْأَةِ وَتُفضِي إلَيهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» رواه مسلم .
686- وعن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما أن عمر رضي اللَّه عنه حين تَأَيَّمتْ بِنْتُهُ حفْصةُ قال : لقيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّان رضي اللَّه عنه ، فَعَرَضْتُ علَيْهِ حفصةَ فَقلتُ : إنْ شِئتَ أنكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمرَ ؟ قال : سَأَنْظُرُ في أمْرِي فَلبِثْتُ ليَالِيَ ، ثُمَّ لَقِيني ، فقال: قد بدا لي أنْ لا أَتَزَوَّجَ يوْمي هذا ، فَلَقِيتُ أبا بَكْرِ الصِّديقَ رضي اللَّه عنه . فقلتُ : إن شِئْتَ أَنكَحْتُكَ حَفْصةَ بنْتَ عُمَر ، فصمتَ أبو بكْر رضي اللَّه عنه ، فَلَمْ يرْجِعْ إليَّ شَيْئاً، فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوجَد مِنِّي على عُثْمانَ ، فَلَبثْتُ ليَالي ، ثُمَّ خطَبهَا النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَأَنْكَحْتُهَا إيَّاهُ ، فلَقِينَي أبُو بكْرٍ فقال : لَعَلَّكَ وجَدْتَ علَيَّ حِينَ عَرضْتَ علَيَّ حفْصة فَلَمْ أَرْجعْ إِلْيَكَ شَيْئاً ؟ فقلت : نَعمْ . قال : فإنهْ لمْ يَمْنعْني أنْ أرْجِعَ إِلَيْكَ فيما عرضْتَ عليَّ الاَّ أَنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ذَكرَها ، فَلَمْ أَكُنْ لأَفْشِي سِرَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، ولوْ تَركَهَا النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لقَبِلْتُهَا ، رواه البخاري .
687- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالتْ : كُنَّ أَزْواجُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عنْدهُ ، فَأْقْبلتْ فَاطِمةُ رضي اللَّه عنها تَمْشِي . مَا تَخْطيءُ مِشْيتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم شَيْئاً ، فَلَمَّا رآها رَحَّبَ بها وقال : « مرْحباً بابنَتي » ثُمَّ أَجْلَسهَا عنْ يمِيِنِهِ أَوْ عنْ شِمالِهِ . ثُمَّ سارَّها فَبَكتْ بُكَاءً شديداً ، فلَمَّا رَأى جَزَعَها سَارَّها الثَّانِيةَ فَضَحِكَت ، فقلت لهَا : خصَّك رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِن بيْنِ نِسائِهِ بالسَّرارِ ، ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِين ؟
  فَلَمَّا قَام رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم سأَلْتُهَا : ما قال لكِ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ؟ قالت : ما كُنْتُ لأفْشِي عَلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم سِرَّهُ . فَلَمَّا تُوُفِّيَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قلتُ : عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ ، لَمَا حدَّثْتنِي ما قال لكِ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ؟ فقالتْ : أَمَّا الآنَ فَنعم ، أَما حِين سَارَّني في المَرَّةِ الأولى فَأخْبرني « أَنَّ جِبْرِيل كَان يُعارِضُهُ القُرْآن في كُلِّ سَنَةٍ مرَّة أَوْ مَرَّتَيْن، وأَنَّهُ عَارَضهُ الآنَ مَرَّتَيْنِ ، وإني لا أُرَى الأجَل إلاَّ قدِ اقْتَرَب ، فاتَّقِي اللَّه واصْبِرِي ، فَإنَّهُ نِعْم السَّلَف أَنَا لكِ » فَبَكَيْتُ بُكَائيَ الذي رأيْتِ ، فَلَمَّا رَأَى جَزعِي سَارَّني الثَانيةَ ، فقال : « يَا فَاطمةُ أَما تَرْضِينَ أَنْ تَكُوني سيِّدَةَ نِسَاء المُؤْمِنِينَ ، أوْ سَيِّدةَ نِساءِ هذهِ الأمَّةِ ؟ » فَضَحِكتُ ضَحِكي الذي رأَيْتِ ، متفقٌ عليه . وهذا لفظ مسلم .
688- وعن ثابتٍ عن أنس ، رضي اللَّه عنه قال : أَتى عليَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وأَنا ألْعبُ مع الْغِلْمانِ ، فسلَّمَ عَلَيْنَا ، فَبَعَثني في حاجة ، فَأبْطأْتُ على أُمِّي ، فَلَمَّا جِئتُ قالت : ما حَبَسَكَ ؟ فقلتُ : بَعَثَني رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لحَاجَةٍ ، قالت : ما حَاجتهُ ؟ قلت : إِنَّهَا سرٌّ . قالتْ: لا تُخِبرَنَّ بسِر رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أحداً . قال أَنَسٌ : واللَّهِ لوْ حدَّثْتُ بِهِ أحَداً لحدَّثْتُكَ بِهِ يَا ثابِت . رواه مسلم . وروى البخاري بَعْضَهُ مُخْتصراً .

86- باب الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد
قال اللَّه تعالى:  { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً } .
وقال تعالى:  { وأوفوا بعهد اللَّه إذا عاهدتم } .
وقال تعالى:  { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } .
وقال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتاً عند اللَّه أن تقولوا ما لا تفعلون! } .
689- عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه ، أن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ : إذا حَدَّث كَذب ، وإذا وَعدَ أخلَف ، وإذا اؤْتُمِنِ خَانَ » متفقٌ عليه .
   زاد في روايةٍ لمسلم : « وإنْ صَامَ وصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مسلِمٌ » .
690- وعن عبدِ اللَّهِ بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما ، أنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « أرْبع مِنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً . ومنْ كَانَتْ فِيه خَصلَةٌ مِنْهُنَّ كانَتْ فِيهِ خَصْلَة مِن النِّفاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إذا اؤُتُمِنَ خَان ، وإذَا حدَّثَ كذَبَ ، وَإذا عَاهَدَ غَدَر ، وَإذا خَاصَم فَجَرَ » متفقُ عليه .
691- وعن جابرٍ رضي اللَّه عنه قال : قال لي النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لو قدْ جاءَ مالُ الْبَحْرَيْن أعْطَيْتُكَ هكَذا وهكذا وَهَكَذا » فَلَمْ يَجيءْ مالُ الْبحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْن أَمَرَ أبُو بَكْرٍ رضي اللَّه عنه فَنَادى : مَنْ كَانَ لَهُ عنْدَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عِدَةٌ أوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا . فَأتَيتُهُ وقُلْتُ لَهُ : إنَّ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال لي كَذَا ، فَحثَى لي حَثْيَةً ، فَعدَدْتُها ، فَإذا هِي خَمْسُمِائَةٍ ، فقال لي : خُذْ مثْلَيْهَا . متفقٌ عليه .

87- باب الأمر بالمحافظة على ما اعتاده من الخير
قال اللَّه تعالى:  { إن اللَّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } .
وقال تعالى:  { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً } .
و  ( الأنكاث )  جمع نكث وهو: الغزل المنقوض.
وقال تعالى:  { ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم } .
وقال تعالى:  { فما رعوها حق رعايتها } .
692- وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما قال : قال لي رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : يا عبْدَ اللَّه ، لا تَكُنْ مِثل فُلانٍ ، كَانَ يقُوم اللَّيْلَ فَترَك قيَامَ اللَّيْل ، » متفقٌ عليه.

88- باب استحباب طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء
قال اللَّه تعالى:  { واخفض جناحك للمؤمنين } .
وقال تعالى:  { ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك } .
693- عَنْ عدِيِّ بن حَاتمٍ رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يجدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ » متفقٌ عليه .
694- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : والكلِمةُ الطَّيِّبَةُ صدَقَةٌ » متفقٌ عليه . وهو بعض حديث تقدم بطولِه .
695- وعن أبي ذَرٍّ رضي اللَّه عنه قال : قال لي رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « لا تحْقِرَنَّ مِنَ المعْرُوفِ شَيْئاً ، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أخَاكَ بِوَجْهٍ طَلِيقٍ » رواه مسلم .

89- استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب
وتكريره ليفهم إذا لم يفهم إلا بذلك

696- عن أنس رضي اللَّه عنه أن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كانَ إذا تَكَلّم بِكلِمَةٍ أعَادها ثَلاثاً حَتَّى تُفْهَم عَنهُ ، وإذا أتَى عَلى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ علَيْهِمْ ثَلاثاً . رواه البخاري .
697- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت : كان كلامُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كلاماً فَصْلا يفْهَمُهُ كُلُّ مَن يَسْمَعُهُ . رواه أبو داود .

90- إصغاء الجليس لحديث جليسه الذي ليس بحرام
واستنصات العالِم والواعظ حاضِرِي مجلِسِه

698- عن جَرير بن عبدِ اللَّه رضي اللَّه عنه قال : قال لي رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في حجَّةِ الْوَدَاع : « اسْتَنْصِتِ النَّاسَ » ثمَّ قال : « لا ترْجِعُوا بعْدِي كُفَّاراً يضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَاب بَعْضٍ » متفقٌ عليه .
91- الوعظ والاقتصاد فيه
قال اللَّه تعالى:  { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } .
699- ن أبي وائِلٍ شَقِيقِ بنِ سَلَمَةَ قال : كَانَ ابْنُ مسْعُودٍ رضي اللَّه عنه يُذكِّرُنَا في كُل خَمِيسٍ مرة ، فَقَالَ لهُ رَجُلٌ : يَا أَبَا عبْدِ الرَّحْمنِ لوددْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ ، فقال : أما إِنَّهُ يَمنعني مِنْ ذلكَ أني أكْرَهُ أنْ أمِلَّكُمْ وإِنِّي أتخَوَّلُكُمْ بِالموْعِظةِ ، كَمـَا كَانَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَتَخَوَّلُنَا بها مَخافَةَ السَّآمَةِ علَيْنَا . متفقٌ عليه .
« يَتَخَوَّلُنَا » يَتَعهَّدُنا .
700- عن أبي الْيَقظان عَمَّار بن ياسر رضي اللَّه عنهما قال : سمِعْتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « إنَّ طُولَ صلاةِ الرَّجُلِ ، وَقِصر خُطْبِتِه ، مِئنَّةٌ مِنْ فقهِهِ . فَأَطِيلوا الصَّلاةَ ،وَأَقْصِروا الخُطْبةَ »رواه مسلم .
 « مِئنَّةٌ » بميم مفتوحة ، ثم همزة مكسورة ، ثم نون مشددة ، أيْ : علامة دَالَّةٌ على فِقْهِهِ.
701- عن مُعاويةَ بنِ الحَكم السُّلَمِيِّ رضي اللَّه عنه قال : « بينما  أَنا أصَلِّى مَع رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، إذْ عطسَ رجُلٌ مِنْ القَوْمِ فَقُلتُ : يرْحَمُكَ اللَّه ، فَرَماني القوم بابصارِهمْ ، فقلت : وا ثكل أُمَّيَاه ما شأنكم تنظرون إليَّ ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يُصَمِّتُونني لكني سكت ، فَلَمَّا صلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَبابي هُوَ وأُمِّي ، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّماً قَبْله وَلا بَعْدَه أَحْسنَ تَعْلِيماً مِنْه ، فَوَاللَّه ما كَهَرنَي ولا ضَرَبَني وَلا شَتَمَني ، قال : « إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فيها شَيءُ مِنْ كَلامِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ والتَّكْبِيرُ ، وقرَاءَةُ الْقُرآنِ » أو كما قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم . قلت : يا رسول اللَّه ، إني حديث عهْدٍ بجَاهِلية ، وقدْ جاءَ اللَّه بِالإِسْلامِ ، وإِنَّ مِنَّا رجالاً يَأْتُونَ الْكُهَّانَ ؟ قال : « فَلا تأْتهِمْ » قلت : وَمِنَّا رجال يَتَطيَّرونَ؟ قال : «ذَاكَ شَيْء يَجِدونَه في صُدورِهِم ، فَلا يصُدَّنَّهُمْ » رواه مسلم .
   « الثُّكْل » بضم الثاءِ المُثلثة : المُصِيبة وَالفَجيعة . « ما كَهَرني » أيْ ما نهرَني .
702- وعن العِرْباض بن سَاريةَ رضي اللَّه عنه قال : وَعظَنَا رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَوْعِظَةً وَجِلَتْ مِنهْا القُلُوب . وَذَرِفَتْ مِنْها العُيُون وَذَكَرَ الحدِيثَ ، وَقدْ سَبق بِكَمالِهِ في باب الأمر بالمُحافَظةِ على السُّنَّةِ ، وذَكَرْنَا أَنَّ التِّرْمِذيَّ قال إنه حديث حسنٌ صحيحٌ .

92- باب الوقار والسكينة
قال اللَّه تعالى: { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } .
703-    وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت : مَا رَأَيْتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مُسْتَجْمِعاً قَطُّ ضَاحِكاً حتَّى تُرى مِنه لَهَوَاتُه ، إِنَّما كانَ يَتَبَسَّمُ . متفقٌ عليه .
« اللَّهَوَات » جَمْع لَهَاةٍ : وهِي اللَّحُمة التي في أقْصى سَقْفِ الْفَمِ .

93- باب الندب إلى إتيان الصلاة والعلم ونحوهما
من العبادات بالسكينة والوقار
قال اللَّه تعالى:  { ومن يعظم شعائر اللَّه فإنها من تقوى القلوب } .
704- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : سمعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « إذا أُقِيمَتِ الصَّلاة ، فَلا تَأْتُوهَا وأنْتُمْ تَسْعَوْنَ ، وأَُتُوهَا وَأَنُتمْ تمْشُونَ ، وعَلَيكم السَّكِينَة ، فَما أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا ، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتمُّوا » متفقٌ عليه .
 زاد مسلم في رواية له : « فَإنَّ أحدَكُمْ إذا كانَ يعمِدُ إلى الصلاةِ فَهُوَ في صلاةٍ » .
705- وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَوْمَ عرَفَةَ فَسَمع النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَرَاءه زَجْراً شَديداً وَضَرْباً وَصوْتاً للإِبلِ ، فَأَشار بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ وقال : « أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ » رواه البخاري ، وروى مسلم بعضه .
 « الْبرُّ » : الطَّاعَةُ . « وَالإِيضَاعُ » بِضاد معجمةٍ قلبها ياء وهمزة مكسورة، وَهُوَ : الإِسْرَاعُ .

94- باب إكرام الضيف
قال اللَّه تعالى:  { هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً، قال سلام قوم منكرون. فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين، فقربه إليهم قال: ألا تأكلون؟ }
وقال تعالى:  { وجاءه قومه يهرعون إليه، ومن قبل كانوا يعملون السيئات! قال: يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم، فاتقوا اللَّه ولا تخزون في ضيفي، أليس منكم رجل رشيد؟! } .
706- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مَنْ كانَ يُؤمنُ بِاللَّه واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكرِمْ ضَيفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّه واليَوم الآخِرِ فليصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يؤمِنُ بِاللَّه وَاليوْمِ الآخِرِ فَلْيَقلْ خَيْراً أَوْ ليَصْمُتْ » متفقٌ عليه .
707- وعن أبي شُرَيْح خُوَيلدِ بن عمرو الخُزَاعِيِّ رضي اللَّه عنه قال : سَمِعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : « مَنْ كان يؤمِنُ بِاللَّه واليوْمِ الآخِرِ فَلْيُكرمْ ضَيفَهُ جَائِزَتَهُ » قالوا : وما جَائِزَتُهُ يا رسول اللَّه ؟ قال : « يَومُه وَلَيْلَتُهُ . والضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أَيَّامِ ، فما كان وَرَاءَ ذلكَ فهو صَدَقَة عليه » متفقٌ عليه .
وفي روايةٍ لمسلم : « لا يحِلُّ لِمُسلمٍ أن يُقِيم عند أخِيهِ حتى يُؤْثِمَهُ » قالوا : يا رسول اللَّه . وكَيْف يُؤْثِمُهُ ؟ قال : « يُقِيمُ عِنْدَهُ وَلا شَيءَ لَهُ يَقْرِيهِ بِهِ » .

95- باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير
قال اللَّه تعالى:  { فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } .
وقال تعالى:  { يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان، وجنات لهم فيها نعيم مقيم } .
وقال تعالى:  { وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } .
وقال تعالى:  { فبشرناه بغلام حليم } .
وقال تعالى:  { ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى } .
وقال تعالى:  { وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب } .
وقال تعالى:  { فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن اللَّه يبشرك بيحيى } .
وقال تعالى:  { إذ قالت الملائكة يا مريم إن اللَّه يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح }  الآية. والآيات في الباب كثيرة معلومة.
وأما الأحاديث فكثيرة جداً وهي مشهورة في الصحيح. منها:
708- عن أبي إِبراهيمَ وَيُقَالُ أبو محمد ويقال أَبو مُعَاوِيةَ عبدِ اللَّه بن أبي أَوْفي رضي اللَّه عنه أَنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بَشَّرَ خَدِيجَةَ ، رضي اللَّه عنها ، بِبيْتٍ في الجنَّةِ مِنْ قَصَبٍ ، لاصَخبَ فِيه ولا نَصب . متفقٌ عليه .
« الْقَصبُ » هُنا : اللُّؤْلُؤ المُجوفُ . « والصَّخبُ » الصِّياحُ واللَّغَطُ . «وَالنَّصَبُ » : التعبُ .
709- وعن أبي موسى الأشعريِّ رضي اللَّه عنه ، أَنَّهُ تَوضَّأَ في بيتهِ ، ثُمَّ خَرَجَ فقال: لألْزَمَنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، ولأكُونَنَّ معَهُ يوْمِي هذا ، فجاءَ المَسْجِدَ ، فَسَأَلَ عَن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقَالُوا : وَجَّهَ ههُنَا ، قال : فَخَرَجْتُ عَلى أَثَرِهِ أَسأَلُ عنْهُ ، حتَّى دَخَلَ بئْرَ أريسٍ فجلَسْتُ عِنْدَ الْباب حتَّى قَضَى رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حاجتَهُ وتَوضَّأَ، فقُمْتُ إِلَيْهِ ، فإذا هُو قَدْ جلَس على بئر أَريس ، وتَوسطَ قفَّهَا ، وكَشَفَ عنْ ساقَيْهِ ودلاهمَا في البِئِر ، فَسلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرفتْ .
   فجَلسْتُ عِند الباب فَقُلت : لأكُونَنَّ بَوَّاب رسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم اليوْم .
فَجاءَ أَبُو بَكْرٍ رضي اللَّهُ عنه فدفَع الباب فقُلْتُ : منْ هَذَا ؟ فَقَالَ : أَبُو بكرٍ ، فَقلْت : على رِسْلِك ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُلتُ : يا رسُول اللَّه هذَا أَبُو بَكْرٍ يسْتَأْذِن ، فَقال: « ائْذَنْ لَه وبشِّرْه بالجنَّةِ » فَأَقْبَلْتُ حتَّى قُلت لأبي بكرٍ : ادْخُلْ ورسُولُ اللَّه يُبشِّرُكَ بِالجنةِ ، فدخل أَبُو بَكْرٍ حتَّى جلَس عنْ يمِينِ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم معَهُ في القُفِّ ، ودَلَّى رِجْلَيْهِ في البئِرِ كما صنَعَ رَسُولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وكَشَف عنْ ساقيْهِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ وجلسْتُ ، وقد ترَكتُ أَخي يتوضأُ ويلْحقُني ، فقُلْتُ : إنْ يُرِدِ اللَّه بِفُلانٍ يُريدُ أَخَاهُ خَيْراً يأْتِ بِهِ .
     فَإِذا إِنْسانٌ يحرِّكُ الباب ، فقُلت : منْ هَذَا ؟ فَقال : عُمَرُ بنُ الخطَّابِ : فقُلْتُ: على رِسْلِك ، ثمَّ جئْتُ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَسلَّمْتُ عليْهِ وقُلْتُ : هذَا عُمرُ يَسْتَأْذِنُ ؟ فَقَالَ: « ائْذنْ لَهُ وبشِّرْهُ بِالجَنَّةِ » فَجِئْتُ عمر ، فَقُلْتُ : أَذِنَ أُدخلْ وَيبُشِّرُكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِالجَنَّةِ، فَدَخَل فجَلَسَ مَعَ رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في القُفِّ عَنْ يسارِهِ ودَلَّى رِجْلَيْهِ في البِئْر ، ثُمَّ رجعْتُ فَجلَسْتُ فَقُلْت : إن يُرِدِ اللَّه بِفلانٍ خَيْراً يعْني أَخَاهُ يأْت بِهِ .
    فجاء إنْسانٌ فحركَ الباب فقُلْتُ : مَنْ هذَا ؟ فقَال : عُثْمانُ بنُ عفانَ . فَقلْتُ : عَلى رسْلِكَ ، وجئْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَأْخْبرْتُه فَقَالَ : « ائْذَن لَهُ وبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ مَعَ بَلْوى تُصيبُهُ » فَجئْتُ فَقُلتُ : ادْخلْ وَيُبشِّرُكَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِالجَنَّةِ مَعَ بَلْوَى تُصيبُكَ ، فَدَخَل فَوَجَد القُفَّ قَدْ مُلِئَ ، فَجَلَس وُجاهَهُمْ مِنَ الشَّقِّ الآخِرِ . قَالَ سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ : فَأَوَّلْتُها قُبُورهمْ. متفقٌ عليه .
    وزاد في روايةٍ : « وأمَرني رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بحِفْظِ الباب وَفِيها : أَنَّ عُثْمانَ حِينَ بشَّرهُ حمِدَ اللَّه تعالى ، ثُمَّ قَال : اللَّه المُسْتعَانُ .
  قوله : « وجَّهَ » بفتحِ الواوِ وتشديدِ الجيمِ ، أَيْ : توجَّهَ . وقوله : « بِئْر أريسٍ » : هو بفتحِ الهمزةِ وكسرِ الراءِ ، وبعْدَها ياء مثَناةٌ مِن تحت ساكِنَةٌ ، ثُم¢َّ سِينٌ مهملةٌ ، وهو مصروفٌ ، ومنهمْ منْ منَع صرْفَهُ . « والقُفُّ » بضم القاف وتشديدِ الفاء : هُوَ المبْنيُّ حوْلَ البِئْرِ . قوله : « عَلى رِسْلِك » بكسر الراءِ على المشهور ، وقيل بفتحها ، أَيْ : ارْفُقْ .
710- وعنْ أبي هريرة رضي اللَّه عنهُ قال : كُنَّا قُعُوداً حَوْلَ رسول اللَّه  صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وَمعَنَا أَبُو بكْرٍ وعُمَرُ رضي اللَّه عنهما في نَفَر ، فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ بينِ أَظْهُرِنا فَأَبْطَأَ علَيْنَا وخَشِينا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنا وَفَزِعْنَا فقُمنا ، فَكُنْتُ أَوّل من فَزِع .
فَخَرَجْتُ أَبْتغي رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، حتى أَتَيْتُ حَائِطاً للأَنْصَارِ لِبني النَّجَّارِ ، فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ باباً ؟ فلَمْ أَجِدْ ، فإذَا ربيعٌ يدْخُلُ في جوْف حَائِط مِنْ بِئرٍ خَارِجَه     والرَّبيعُ: الجَدْوَلُ الصَّغيرُ     فاحتَفزْتُ ، فدَخلْتُ عَلى رسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم .
فقال : « أَبو هُريرة ؟ » فَقُلْتُ : نَعَمْ يَا رسُولَ اللَّهِ ، قال : « ما شَأنُك » قلتُ : كُنْتَ بَيْنَ ظَهْرَيْنَا فقُمْتَ فَأَبَطأْتَ علَيْنَا ، فَخَشِينَا أَنْ تُقَتطعَ دُونَنا ، ففَزعنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ منْ فَزعَ فأَتَيْتُ هذَا الحائِطَ ، فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعلبُ ، وَهؤلاءِ النَّاسُ وَرَائي .
فَقَالَ : « يَا أَبا هريرة » وأَعطَاني نَعْلَيْهِ فَقَال : « اذْهَبْ بِنَعْلَي هاتَيْنِ ، فَمنْ لقيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذا الحائِط يَشْهَدُ أَنْ لا إلهِ إلاَّ اللَّهُ مُسْتَيْقناً بها قَلبُهُ ، فَبَشِّرْهُ بالجنَّةِ » وذَكَرَ الحدِيثَ بطُولِهِ ، رواه مسلم .
« الرَّبيعُ » النَّهْرُ الصَّغِيرُ ، وَهُوَ الجدْوَلُ     بفتح الجيم     كَمَا فَسَّرهُ في الحَدِيثِ. وقولُه: « احْتَفَزْت » رويَ بالرَّاءِ وبالزَّاي ، ومعناهُ بالزاي : تَضَامَمْتُ وتصَاغَرْتُ حَتَّى أَمْكَنَني الدُّخُولُ .
711- وعن ابنِ شُماسَةَ قالَ : حَضَرْنَا عَمْرَو بنَ العاصِ رضي اللَّهُ عنه ، وَهُوَ في سِيَاقَةِ المَوْتِ فَبَكى طَويلاً ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلى الجدَارِ ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ : يا أَبَتَاهُ ، أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بكَذَا ؟ أَما بشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بكَذَا ؟
فَأَقْبلَ بوَجْههِ فَقَالَ : إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّه ، وأَنَّ مُحمَّداً رسُول اللَّه إِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلى أَطبْاقٍ ثَلاثٍ : لَقَدْ رَأَيْتُني وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضاً لرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنِّي ، وَلا أَحبَّ إِليَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ قَدِ استمْكنْت مِنْهُ فقَتلْتهُ ، فَلَوْ مُتُّ عَلى تِلْكَ الحالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّار .
فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلامَ في قَلْبي أَتيْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقُلْتُ : ابْسُطْ يمينَكَ فَلأُبَايعْكَ ، فَبَسَطَ يمِينَهُ فَقَبَضْتُ يَدِي ، فقال : « مالك يا عمرو ؟ » قلت : أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرطَ قالَ : « تَشْتَرطُ ماذَا ؟ » قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لي ، قَالَ : أَمَا عَلمْتَ أَنَّ الإِسْلام يَهْدِمُ ما كَانَ قَبلَهُ، وَأَن الهجرَةَ تَهدمُ ما كان قبلَها ، وأَنَّ الحَجَّ يَهدِمُ ما كانَ قبلَهُ ؟ »
وما كان أَحَدٌ أَحَبَّ إِليَّ مِنْ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وَلا أَجَلّ في عَيني مِنْه ، ومَا كُنتُ أُطِيقُ أَن أَملأَ عَيني مِنه إِجلالاً له ، ولو سُئِلتُ أَن أَصِفَهُ ما أَطَقتُ ، لأَنِّي لم أَكن أَملأ عَيني مِنه ولو مُتُّ على تِلكَ الحَال لَرَجَوتُ أَن أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ .
ثم وُلِّينَا أَشيَاءَ ما أَدري ما حَالي فِيهَا ؟ فَإِذا أَنا مُتُّ فلا تصحَبنِّي نَائِحَةٌ ولا نَارٌ ، فإذا دَفَنتموني ، فشُنُّوا عليَّ التُّرَابَ شَنًّا ، ثم أَقِيمُوا حولَ قَبري قَدْرَ ما تُنَحَرُ جَزورٌ ، وَيقْسَمُ لحْمُهَا ، حَتَّى أَسْتَأْنِس بكُمْ ، وأنظُرَ ما أُراجِعُ بِهِ رسُلَ ربي . رواه مسلم .
قوله : « شُنُّوا » رُويَ بالشين المعجمة وبالمهملةِ ، أَي : صبُّوهُ قليلاً قَليلاً . واللَّه سبحانه أَعلم .

96- باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفر
وغيره  والدعاء له وطلب الدعاء منه
قال اللَّه تعالى:{ ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب: يا بني إن اللَّه اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون، أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي؟ قالوا: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً، ونحن له مسلمون } .
وأما الأحاديث:
712- فمنها حَديثُ زيدِ بنِ أَرْقَمَ رضي اللَّه عنه الذي سبق في باب إِكرامِ أَهْلِ بَيْتِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قامَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فِينَا خَطِيباً ، فَحَمِدَ اللَّه ، وَأَثْنى عَلَيهِ ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قال : أَمَّا بَعْدُ ، أَلا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنا بشرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فأُجيب، وأَنَا تَاركٌ فيكُمْ ثَقَليْنِ : أَوَّلهُمَا : كتاب اللَّهِ ، فيهِ الهُدَى وَالنُّورُ ، فَخُذُوا بِكتاب اللَّه ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ » فَحَثَّ عَلى كتاب اللَّه ، ورَغَّبَ فِيهِ ، ثُمَّ قال : « وَأَهْلُ بَيْتي ، أُذَكِّرُكُمُ اللَّه في أَهْلِ بَيْتي » رواه مسلم .  وَقَدْ سَبَقَ بطُولِهِ  .
713- وعن أبي سُليْمَانَ مَالك بن الحُويْرثِ رضي اللَّه عنه قال : أَتَيْنَا رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَنحْنُ شَبَبةٌ متَقَاربُونَ ، فَأَقمْنَا عِنْدَهُ عشْرينَ لَيْلَةً ، وكانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم رَحِيماً رفِيقاً، فَظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَا أَهْلَنَا . فسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا مِنْ أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ ، فقال : « ارْجعُوا إِلى أَهْليكم فَأَقِيمُوا فِيهِمْ ، وَعلِّموهُم وَمُرُوهُمْ ، وَصَلُّوا صَلاةَ كَذا في حِين كَذَا ، وَصَلُّوا كَذَا في حِين كَذَا ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْيُؤذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ، وَلْيؤمَّكُم أَكبَرُكُمَ » متفقٌ عليه .
  زاد البخاري في رواية له : « وَصَلَّوا كمَا رَأَيتُمُوني أُصَلِّي » .
  قوله : « رَحِيماً رفيقاً » روِيَ بفاءٍ وقافٍ ، وروِيَ بقافينٍ .
714- وعن عُمَرَ بنِ الخطاب رضي اللَّهُ عنه قال : اسْتَأْذَنْتُ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في الْعُمْرَةِ ، فَأَذِنَ ، وقال : « لا تنْسنَا يَا أخيَّ مِنْ دُعَائِك » فقالَ كَلِمَةً ما يَسُرُّني أَنَّ لي بهَا الدُّنْيَا .
وفي رواية قال : « أَشْرِكْنَا يَا أخَيَّ في دُعَائِكَ » رواه أبو داود ، والترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
715- وعن سالم بنِ عَبْدِ اللَّه بنِ عُمَرَ أَنَّ عبدَ اللَّه بنِ عُمَرَ رضي اللَّه عنهما كَانَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ سفراً : ادْنُ مِنِّي حَتَّى أُوَدِّعَكَ كمَا كَانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُودِّعُنَا فيقُولُ: أَسْتَوْدعُ اللَّه دِينَكَ ، وَأَمانَتَكَ ، وخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ ، رواه الترمذي، وقال : حديث حسن صحيح .
716- وعن عبدِ اللَّهِ بنِ يزيد الخَطْمِيِّ الصَّحَابيِّ رضي اللَّه عنه قال : كَانَ رسولُ اللَّهص إِذا أَرَادَ أَنْ يُوَدِّعَ الجَيْش قالَ : « أَسْتَوْدعُ اللَّه دِينَكُمْ ، وَأَمَانَتكُم ، وَخَوَاتِيمَ أَعمَالِكُمْ ».
      حديث صحيح ، رواه أبو داود وغيره بإِسناد صحيح .
717- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه قال : جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : يا رسُولَ اللَّه، إِني أُرِيدُ سَفَراً ، فَزَوِّدْني ، فَقَالَ : « زَوَّدَكَ اللَّه التَّقْوَى » .
قال : زِدْني ، قال : « وَغَفَرَ ذَنْبَكَ » قال : زِدْني ، قال : « وَيَسَّرَ لكَ الخيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ» رواه الترمذي وقال : حديث حسن .

97- باب الاستخارة والمشاورة
قال اللَّه تعالى:  { وشاورهم في الأمر } .
وقال تعالى :  { وأمرهم شورى بينهم }  أي يتشاورون بينهم فيه
718- عن جابِرٍ رضيَ اللَّه عنه قال : كانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ في الأُمُور كُلِّهَا كالسُّورَةِ منَ القُرْآنِ ، يَقُولُ إِذا هَمَّ أَحَدُكُمْ بالأمر ، فَليَركعْ رَكعتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفرِيضَةِ ثم ليقُلْ : اللَّهُم إِني أَسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ ، وأستقدِرُكَ بقُدْرِتك ، وأَسْأَلُكَ مِنْ فضْلِكَ العَظِيم ، فإِنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِرُ ، وتعْلَمُ ولا أَعْلَمُ ، وَأَنتَ علاَّمُ الغُيُوبِ . اللَّهُمَّ إِنْ كنْتَ تعْلَمُ أَنَّ هذا الأمرَ خَيْرٌ لي في دِيني وَمَعَاشي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي » أَوْ قالَ : « عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِله ، فاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لي، ثمَّ بَارِكْ لي فِيهِ ، وَإِن كُنْتَ تعْلمُ أَنَّ هذَا الأَمْرَ شرٌّ لي في دِيني وَمَعاشي وَعَاقبةِ أَمَرِي » أَو قال : « عَاجِل أَمري وآجِلهِ ، فاصْرِفهُ عَني ، وَاصْرفني عَنهُ، وَاقدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كانَ ، ثُمَّ رَضِّني بِهِ » قال : ويسمِّي حاجته . رواه البخاري.

98- باب استحباب الذهاب إلى صلاة العيد والرجوع من طريق آخر

719- عن جابرٍ رضيَ اللَّه عنه قال : كانَ النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. رواه البخاري .
 قوله : « خَالَفَ الطَّرِيقَ » يعني : ذَهَبَ في طَرِيقٍ وَرَجَعَ في طَرِيقِ آخَرَ .
720- وعنِ ابنِ عُمَرَ رضي اللَّه عنهما أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ وَيَدْخلُ مِنْ طَريقِ المُعَرَّسِ ، وإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ دَخَلَ مِنَ الثَّنِية العُليَا وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِية السُّفْلى متفقٌ عليه .

99- باب استحباب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم
كالوضوءِ  وَ الغُسْلِ والتَّيَمُّمِ
ولبس الثوب والنعل والخف والسراويل ودخول المسجد والسواك والاكتحال وتقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الإبط وحلق الرأس والسلام من الصلاة والأكل والشرب والمصافحة واستلام الحجر الأسود والخروج من الخلاء والأخذ والعطاء وغير ذلك مما هو في معناه ويستحب تقديم اليسار في ضد ذلك كالامتخاط والبصاق عن اليسار ودخول الخلاء والخروج من المسجد وخلع الخف والنعل والسراويل والثوب والاستنجاء وفعل المستقذرات وأشباه ذلك
قال اللَّه تعالى:  { فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول: هاؤم اقرءوا كتابيه }  الآيات.
وقال تعالى:  { فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة } .
721- وعن عائشة رضيَ اللَّه عنها قالَتْ : كَانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُعْجِبُهُ التَّيمُّنُ في شأنِه كُلِّه : في طُهُوِرِهِ ، وَتَرجُّلِهِ ، وَتَنَعُّلِه . متفقٌ عليه .
722- وعنها قالتْ : كانَتْ يَدُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، اليُمْنى لِطَهُورِهِ وطَعَامِه ، وكَانَتْ اليُسْرَى لِخَلائِهِ وَمَا كَانَ منْ أَذىً .
      حديث صحيح ، رواه أبو داود وغيره بإِسناد صحيحٍ .
723- وعن أُم عَطِيةَ رضي اللَّه عنها أَن النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ لَهُنَّ في غَسْلِ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ رضي اللَّه عنها : « ابْدَأْنَ بِميامِنهَا وَمَواضِعِ الوُضُوءِ مِنْها » متفقٌ عليه .
724- وعن أبي هُريرة رضيَ اللَّه عنه أَنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِذا انْتَعَلَ أَحدُكُمْ فَلْيبْدَأْ باليُمْنى ، وَإِذا نَزَع فَلْيبْدَأْ بِالشِّمالِ . لِتَكُنِ اليُمْنى أَوَّلهُما تُنْعَلُ ، وآخرَهُمَا تُنْزَعُ » متفقٌ عليه .
725- وعن حَفْصَةَ رضي اللَّه عنها أَنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كان يَجْعَلُ يَمينَهُ لطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وثيابه ويَجَعلُ يَسارَهُ لما سِوى ذلكَ رواه أبو داود والترمذي وغيره .
726- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِذا لَبِسْتُمْ ، وَإِذا تَوَضَّأْتُم ، فَابْدؤُوا بِأَيَامِنكُمْ » حديث صحيح . رواه أبو داود والترمذي بإِسناد صحيح .
727- وعن أَنس رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَتى مِنًى : فَأَتَى  الجَمْرةَ فَرماهَا ، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلهُ بِمنًى ، ونحَرَ ، ثُمَّ قال للِحلاَّقَ « خُذْ » وَأَشَارَ إِلى جَانِبِه الأيمنِ ، ثُم الأيسَرِ ثُمَّ جعَلَ يُعطِيهِ النَّاسَ . متفقٌ عليه .
      وفي روايةٍ : لمَّا رمى الجمْرةَ ، ونَحَر نُسُكَهُ وَحَلَقَ : نَاوَل الحلاقَ شِقَّهُ الأَيْمنَ فَحلَقَه ، ثُمَّ دعَا أَبَا طَلحةَ الأَنصاريَّ رضي اللَّه عنه ، فَأَعطَاهُ إِيَّاهُ ، ثُمَّ نَاوَلهُ الشقَّ الأَيْسَرَ فقال : «احْلِقْ » فَحلَقَهُ فَأَعْطاهُ أَبا طلحة فقال : « اقسِمْهُ بَيْنَ النَّاس » .

كتاب أدب الطعام


100- باب التسمية في أوله والحمد في آخره
728- عن عُمَرَ بنِ أبي سلَمَة رضي اللَّه عنهما قال: قال لي رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «سَمِّ اللَّه وكُلْ بِيمِينكَ ، وكُلْ مِمَّا يَلِيكَ». متفقٌ عليه.
729- وعن عَائشة رضي اللَّه عنها قالَتْ: قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «إذا أكل أَحَدُكُمْ فَليَذْكُر اسْمَ اللَّه تعالى، فإنْ نسي أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّه تَعَالَى في أَوَّلِهِ، فَليَقُلْ: بِسْمِ اللَّه أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ».
رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
730- وعن جابِرٍ، رضي اللَّه عنه قال: سَمِعتُ رسولَ اللَّه يقولُ: «إِذا دخل الرَّجُل بيْتَهُ، فَذَكَرَ اللَّه تعَالى عِنْد دُخُولهِ وعِنْدَ طَعامِهِ، قال الشَّيْطانُ لأَصحَابِهِ: لا مبيتَ لَكُمْ ولا عشَاءَ، وإذا دخَل، فَلَم يَذكُر اللَّه تَعَالى عِنْد دخُولِهِ، قال الشَّيْطَانُ: أَدْركتمُ المبيت، وإِذا لَم يَذْكُرِ اللَّه تعَالى عِنْد طَعامِهِ قال: أَدْركْتُمُ المبيتَ وَالعَشاءَ » رواه مسلم .
731- وعن حُذَيْفَةَ رضي اللَّه عنه قال: كنَّا إِذا حضَرْنَا مع رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم طَعَاماً، لَم نَضَعْ أَيدِينَا حتَّى يَبْدأَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَيَضَع يدَه. وَإِنَّا حَضَرْنَا معهُ مَرَّةً طَعاماً، فجاءَت جارِيَةٌ كأَنَّهَا تُدْفَعُ، فَذَهَبتْ لتَضعَ يَدهَا في الطَّعامِ، فَأَخَذَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِيدِهَا، ثُمَّ جَاءَ أَعْرابِيٌّ كأَنَّمَا يُدْفَعُ ، فَأَخَذَ بِيدِهِ، قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «إِنَّ الشَّيْطانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعامَ أَنْ لا يُذْكَرَ اسمُ اللَّه ِ تَعَالى عليه. وإِنَّهُ جاءَ بهذهِ الجارِيةِ لِيسْتَحِلَّ بِها، فَأَخَذتُ بِيدِهَا، فَجَاءَ بهذا الأَعْرَابِيِّ لِيسَتحِلَّ بِهِ، فَأَخَذْتُ بِيدِهِ، والذي نَفسي بِيَدِهِ إِنَّ يدَهُ في يَدي مَعَ يَديْهِما» ثُمَّ ذَكَرَ اسم اللَّهِ تعالى وأَكَل. رواه مسلم.
732- وعن أُميَّةَ بنِ مخْشِيٍّ الصَّحابيِّ رضيَ اللَّه عنه قال: كان رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم جالساً، ورَجُلٌ يأْكُلُ ، فَلَمْ يُسمِّ اللَّه حَتَّى لَمْ يبْقَ مِنْ طَعَامِهِ لُقْمةٌ ، فَلَمَّا رَفَعها إِلى فِيهِ، قال: بسم اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، ثم قال: «مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ، فَلمَّا ذَكَر اسمَ اللَّهِ استْقَاءَ مَا في بَطنِهِ». رواه أبو داود، والنسائي.
733- وعن عائشةَ رضيَ اللَّه عنها قالَتْ: كانَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَأْكُلُ طَعَاماً في سِتَّةٍ مِنْ أَصحَابِهِ، فَجَاءَ أَعْرابيٌ، فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ فقال رسولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «أَما إِنَّهُ لوْ سَمَّى لَكَفَاكُمْ». رواه الترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
734- وعن أبي أُمامة رضيَ اللَّه عنهُ أنَّ النَبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كانَ إِذا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قال: «الحَمْدُ للَّه حمداً كَثيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيه، غَيرَ مَكْفِيٍّ وَلا مُسْتَغْنًي عَنْهُ رَبَّنَا» رواه البخاري .
735- وعن مُعَاذِ بن أَنسٍ رضيَ اللَّهُ عنه قَالَ: قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: منْ أَكَلَ طَعَاماً فقال: الحَمْدُ للَّهِ الذي أَطْعَمَني هذا، وَرَزَقْنِيهِ مِنْ غيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلا قُوّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رواه أبو داود، والترمذي وقال: حدِيثٌ حسنٌ.
101- باب لا يعيب الطعام واستحباب مدحه
736- عن أبي هُريرة رضيَ اللَّهُ عنهُ قال: «ما عَابَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم طَعَاماً قَطُّ، إِن اشْتَهَاه أَكَلَهُ، وإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ» متفقٌ عليه .
737- وعن جابرٍ رضيَ اللَّه عنه أَنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم سَأَلَ أَهْلَهُ الأُدُمَ فقالوا: ما عِنْدَنَا إِلاَّ خَلٌّ، فَدَعَا بِهِ، فَجَعل يَأْكُلُ ويقول: «نِعْمَ الأُدُمُ الخلُّ نِعْمَ الأُدُمُ الخَلُّ» رواه مسلم.
102- باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر
738- عن أبي هُريرة رضيَ اللَّه عنه قال: قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «إِذا دُعِيَ أَحَدُكُمْ، فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كان صائماً فَلْيُصلِّ، وَإنْ كانَ مُفْطَراً فَلْيَطْعَمْ» رواه مسلم.
قال العُلَمَاءُ: مَعْنى. «فَلْيُصَلِّ» فلْيدْعُ  ومعنى «فَلْيطْعَمْ» فلْيَأْكُلْ.


103- باب ما يقوله من دعي إلى طعام فتبعه غيره
739- عن أبي مسعودِ البَدْرِيِّ رضيَ اللَّه عنه قال: دَعا رجُلٌ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لِطعَامٍ صَـنعَهُ لَهُ خَامِس خَمْسَةٍ، فَتَبِعهُمْ رَجُلٌ، فَلمَّا بَلَغَ الباب، قال النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «إِنَّ هذا تَبِعَنا، فإِنْ شئت أَنْ تَأْذنَ لَهُ، وإِنْ شِئتَ رَجَعَ» قال: بل آذَنُ لهُ يا رسولَ اللَّهِ. متفقٌ عليه.
104- باب الأكل مما يليه ووعظه وتأديبه من يُسيء أكله
740- عن عمر بن أبي سَلَمَةَ رضي اللَّه عنهما قال: كُنتُ غلاماً في حِجْرِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، وكَانتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ فقال لي رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «يَا غُلامُ سَمِّ اللَّه تعالى وَكُلْ بيمينِكَ وكلْ مِمَّا يَلِيكَ» متفقٌ عليه.
قوله: «تَطِيشُ» بكسر الطاءِ وبعدها ياء مثناة من تحت، معناه: تتحرّك وتمتدّ إِلى نواحي الصَّحْفَةِ.
741- وعن سَلَمَةَ بنِ الأكوعِ رضيَ اللَّه عنه أَن رَجُلاً أَكلَ عِنْدَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بشِماله فقال: «كُلْ بِيَمِينكَ» قال: لا أَسْتطِيعُ قالَ: «لا اسْتَطَعْتَ،» ما مَنَعَهُ إِلاَّ الكِبْرُ، فَمَا رَفَعَهَا إِلى فِيهِ. رواه مسلم.
105- باب النهي عن القران بين تمرتين ونحوهما
إذا أكل جماعة إلا بإذن رفقته
742- عن جبَلَةَ بن سُحَيْم قال: أَصابَنا عامُ سَنَةٍ معَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فرُزقْنَا تَمْراً، وَكانَ عَبْدُ اللَّه بنُ عمر رضي اللَّه عنهما يمُر بنا ونحْنُ نأْكُلُ، فيقولُ: لا تُقَارِنُوا، فإِن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نَهى عنِ الإقرانِ، ثم يقولُ: «إِلاَّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ» متفقٌ عليه.


106- باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع
743- عن وَحْشيِّ بنِ حرب رضيَ اللَّه عنه أَن أَصحابَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالُوا: يا رسولَ اللَّهِ، إِنَّا نَأْكُلُ ولا نَشْبَعُ؟ قال: «فَلَعَلَّكُمْ تَفْترِقُونَ» قالُوا: نَعَمْ. قال: فَاجْتَمِعُوا عَلى طَعَامكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، يُبَارَكْ لَكُمْ فيه» رواه أبو داود
107- باب الأمر بالأكل من جانب القصعة
والنهي عن الأكل من وسطها
744- عن ابن عباس رضيَ اللَّه عنهما عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: «الْبَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَام فَكُلُوا مِنْ حَافَّتَيْهِ ولاَ تَأْكُلُوا مِن وَسَطِهِ» رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
745- وعن عبدِ اللَّه بن بُسْرٍ رضيَ اللَّه عنه قال: كان لِلنبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَصْعَةٌ يُقالُ لها: الْغَرَّاءُ، يحْمِلُهَا أَرْبَعَةُ رِجالٍ، فَلمَّا أَضْحوا وَسَجَدُوا الضُّحى أُتِي بتَلْكَ الْقَصْعَةِ، يعني وقد ثُرِدَ فيها، فالتَفُّوا عليها، فَلَمَّا كَثُرُوا جَثَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقالَ أَعرابيٌّ: ما هذه الجِلْسةُ؟ قال رسولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: إِنَّ اللَّه جَعَلني عَبْداً كَرِيماً، ولَمْ يجْعَلْني جَباراً عَنيداً، ثمَّ قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «كُلُوا مِنْ حَوَالَيْهَا، وَدَعُوا ذِرْوَتَهَا يُبَارَكْ فيها» رواه أبو داودٍ بإِسناد جيد.
     « ذِرْوَتَهَا » أَعْلاَهَا : بكسر الذال وضمها .
108- باب كراهية الأكل متّكئاً
746- عن أبي جُحَيْفَةَ وهبِ بنِ عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «لا آكُلُ مُتَّكِئاً» رواه البخاري.
قال الخَطَّابيُّ: المُتَّكِيءُ هُنا: هو الجالِسُ مُعْتَمِداً على وِطاءٍ تحته، قال: وأَرَادَ أَنَّهُ لا يَقعُدُ عَلى الْوطَاءِ والْوسائِدِ كَفعْلٍ مَنْ يُريدُ الإِكْثار مِنَ الطعامِ بل يَقْعدُ مُسْتَوْفِزاً لا مُسْتوْطِئاً، ويَأْكُلُ بُلْغَةً. هذا كلامْ الخطَّابي، وأَشَار غَيْرهُ إِلى أَنَّ المتكيءَ هو المائلُ عَلى جَنْبِه، واللَّه أعلم.
747- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه قال: رَأَيْتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم جالساً مُقْعِياً يَأْكُلُ تمْراً، رواه مسلم.
«المُقْعِي» هو الذي يُلْصِقُ أليَتيهِ بالأرضِ، ويُنْصِبُ ساقَيْهِ.
109- باب استحباب الأكل بثلاث أصابع
 واستحباب لعق الأصابع وكراهة مسحها قبل لعقها واستحباب لعق القصعة وأخذ اللقمة التي تسقط منه وأكلها وجواز مسحها بعد اللعق بالساعد والقدم وغيرهما
748- عن ابنِ عباسٍ رضي اللَّه عنهما قال: قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «إِذا أَكلَ أَحدُكُمْ طَعَاماً، فَلا يَمسحْ أَصابِعَهُ حتى يلعَقَهَا أَو يُلْعِقَها» متفقٌ عليه.
749- وعن كعْبِ بنِ مالك رضيَ اللَّه عنه قال: رَأَيْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَأْكُلُ بِثلاثِ أَصابِعَ فَإِذا فَرغَ لَعِقَها. رواه مسلم.
750- وعن جابرٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أمر بِلَعْقِ الأَصَابِعِ والصَّحْفَةِ وقال: «إِنَّكُمْ لا تَدرُونَ في أَيِّ طعَامِكم البَركةُ» رواه مسلم.
751- وعنه أن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: «إِذا وقعت لُقمَةُ أَحدِكُمْ، فَليَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ ما كان بها من أذًى وليَأْكُلْهَا، ولا يدَعْها للشَّيطَانِ، ولا يمسَحْ يَدهُ بِالمِنْدِيلِ حتَّى يَلعقَ أَصَابِعَهُ، فإِنه لا يَدرِي في أَيِّ طعامِهِ البركةُ» رواه مسلم.
752- وعنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: «إِن الشَّيْطَانَ يَحضرُ أَحدَكُم عِند كُلِّ شَيءٍ مِنْ شَأْنِهِ، حتى يَحْضُرَهُ عِندَ طعَامِهِ، فَإِذا سَقَطَتْ لُقْمةُ أَحَدِكم فَليَأْخذْهَا فَلْيُمِطْ ما كانَ بها مِن أَذى، ثُمَّ ليَأْكُلْهَا ولا يَدَعها للشَّيْطَانِ، فإذا فَرغَ فَلْيلْعَقْ أَصابِعِهُ فإِنَّه لا يدري في أَيِّ طعامِهِ البرَكَةُ» رواه مسلم.
753- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه قال: كان: رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِذا أَكَلَ طعَاماً، لعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلاثَ، وقالَ: «إِذا سقَطَتْ لُقمةُ أَحدِكم فَلْيَأْخُذْها، وليمِطْ عنها الأذى، وليَأْكُلْهَا، ولا يَدعْهَا للشَّيطَانِ» وأَمَرنَا أَن نَسلتَ القَصعةَ وقال: إِنَّكم لا تدْرُونَ في أَيِّ طَعَامِكم البَركةُ» رواه مُسلمٌ.
754- وعن سعيد بنِ الحارث أَنَّه سأَل جابراً رضيَ اللَّه عنه عن الوضوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فقال: لا، قد كُنَّا زمنَ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لا نجدُ مثلَ ذلك الطعامِ إِلاَّ قلِيلاً، فإِذا نَحنُ وجدناهُ، لَم يَكْنْ لَنَا مَنَادِيلُ إِلا أَكُفَّنَا وسَوَاعدنَا وأَقْدَامَنَا، ثُمَّ نُصَلِّي وَلا نَتَوَضَّأُ. رواه البخاري.
110- باب تكثير الأيدي على الطعام
755- عن أبي هريرة رضيَ اللَّه تعالى عنه قالَ : قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «طَعَامُ الإثنينِ كافي الثَّلاثَةِ ، وَطَعَامُ الثَلاثَةِ كافي الأَربعَةِ » متفقٌ عليه .
756- وعن جابرٍ رضي اللَّه عنهُ قال : سمعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ :« طَعامُ الوَاحِدِ يَكْفي الإثَنيْنِ ، وطعامُ الإثنينِ يكْفي الأربعةَ ، وطعامُ الأرَبَعةِ يَكْفي الثَّمانِيَةَ » رواه مسلم.
111- باب أدب الشرب واستحباب التنفس ثلاثاً خارج الإِناء
 وكراهة التنفس في الإناء واستحباب إدارة الإناء على الأيمن فالأيمن بعد المبتدئ
757- عن أَنسٍ رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كانَ يتنَفَّسُ في الشرَابِ ثَلاثاً. متفقٌ عليه.
يعني: يَتَنَفَّسُ خَارِجَ الإِناءِ.
758- وعن ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «لا تَشْرَبُوا واحِداً كَشُرْبِ البَعِير، وَلكِن اشْرَبُوا مَثْنى وثُلاثَ، وسَمُّوا إِذا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ، واحْمدوا إِذا أَنْتُمْ رَفعْتُمْ» رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
759- وعن أبي قَتَادَةَ رضي اللَّه عنه أَنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نَهَى أن يُتَنَفَّسَ في الإِناءِ متفقٌ عليه.
يعني: يُتَنَفَّسُ في نَفْسِ الإِناءِ.
760- وعن أَنسٍ رضي اللَّه عنه أَن رسول الَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أُتِي بِلَبنٍ قد شِيب بمَاءٍ، وعَنْ يمِينِهِ أَعْرابي، وعَنْ يَسارِهِ أَبو بَكرٍ رضي اللَّه عنه، فَشَرِبَ، ثُمَّ أَعْطَى الأَعْرَابيَّ وقال: «الأَيمَنَ فالأَيمنَ » متفقٌ عليه.
قوله: «شِيبَ» أَي: خُلِط.
761- وعن سهل بن سعد رضي اللَّه عنه أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أُتِيَ بشرابٍ، فشرِبَ مِنْهُ وعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ، وعن يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ، فقال للغُلام  « أَتَأْذَنُ لي أَنْ أُعْطِيَ هُؤلاءِ؟» فقال الغُلامُ: لا واللَّهِ، لا أُوثِرُ بِنصِيبى مِنكَ أَحَداً، فَتلَّهُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في يدهِ. متفقٌ عليه.
قوله: «تَلَّه» أَيْ: وَضَعَهُ، وهذا الغُلامُ هو ابْنُ عباس رضي اللَّه عنهما.
112- باب كراهة الشرب من فم القربة ونحوها
وبيان أنه كراهة تنزيه لا تحريم
762- عن أبي سعيدٍ الخدْرِيِّ رضي اللَّه عنه قال نَهَى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ . يعنى : أَنْ تُكسَرَ أَفْوَاهُها ، وَيُشْرَب منها . متفقٌ عليه .
763- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : نَهَى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَن يُشْرَبَ مِنْ في السِّقاءِ أَو القِرْبةِ . متفقٌ عليه .
764- وعن أُمِّ ثابِتٍ كَبْشَةَ بِنْتِ ثَابتٍ أُخْتِ حَسَّانِ بْنِ ثابت رضي اللَّه عنه وعنها قالت: دخَل علَيَّ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَشَرِبَ مِن في قِرْبةٍ مُعَلَّقةٍ قَائماً . فَقُمْتُ إِلى فِيهَا فَقطَعْتُهُ ، رواه الترمذي . وقال : حديث حسن صحيح .
     وَإِنَّمَا قَطَعَتْها : لِتَحْفَظَ موْضِعَ فَم رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم . وَتَتَبَرَّكَ بِهِ ، وَتَصُونَهُ عَن الابتِذالِ ، وَهذا الحَدِيثُ محْمُول على بَيانِ الجوازِ ، والحديثان السابقان لبيان الأفضل والأَكمل واللَّه أعلم .
113- باب كراهة النفخ في الشراب
765- عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي اللَّه عنه أَنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نَهَى عَنِ النَّفخِ في الشَّرابِ فقال رَجُلٌ : القذَاةُ أَراها في الإِناءِ ؟ فقال : « أَهْرِقْهَا » قال : فإِنى لا أُرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ ؟ قال : « فَأَبِنْ القَدَحَ إِذاً عَنْ فِيكَ » رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
766- وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أن النبى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نَهَى أَن يُتنَفَّسَ في الإِنَاءِ ، أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ ، رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
114- باب بيان جواز الشرب قائِما
وبيان أن الأكمل والأفضل الشرب قاعداً
فيه حديث كبشة السابق (انظر الحديث رقم 761) .ً
767- وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال : سَقَيْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مِنْ زَمْزَمَ ، فَشَرِبَ وَهُوَ قَائمٌ . متفقٌ عليه .
768- وعن النَزَّال بنِ سبْرَةَ رضيَ اللَّهُ عنه قال : أَتَى عَلِيٌّ رضيَ اللَّهُ عنهُ باب الرَّحْبَةِ فَشَرِب قَائماً ، وقالَ : إِنِّى رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فعل كما رَأَيْتُمُونى فَعَلْتُ ، رواه البخارى.
769- وعن ابن عمر رضيَ اللَّه عنهما قال : كنَّا نَأْكُلُ عَلى عَهدِ رسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ونحْنُ نَمْشى ، ونَشْرَبُ وَنحْنُ قيامٌ . رواهُ الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح .
770- وعن عمرو بن شعيب عن أَبيهِ عن جدِّه رضي اللَّهُ عنه قال : رَأَيْتُ رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يشربُ قَائماً وقَاعِداً . رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح.
771- وعن أَنسٍ رضي اللَّهُ عنه عن النبى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنهُ نهَى أَنْ يشربَ الرّجُلُ قَائماً . قال قتادة : فَقلْنَا لأنَس : فالأَكْلُ ؟ قال : ذلكَ أَشَرُّ     أَو أَخْبثُ     رواهُ مسلم .
وفي رواية له أَنَّ النبى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قَائماً .
772- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «لاَ يشْرَبَن أَحدٌ مِنْكُمْ قَائماً ، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقيءْ » رواهُ مسلم .
115- باب استحباب كون ساقي القوم آخرهم شرباً
773- عن أبي قتادة رضيَ اللَّه عنه عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « سَاقى القَوْمِ آخِرُهُمْ » يعنى: شرْباً . رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح .
116- باب جواز الشرب من جميع الأواني الطاهرة
غير الذهب والفضة
وجواز الكرع وهو الشرب بالفم من النهر وغيره بغير إناء ولا يد، وتحريم استعمال إناء الذهب والفضة في الشرب والأكل والطهارة وسائر وجوه الاستعمال
774- عنْ أَنسٍ رضيَ اللَّه عنه قال : حَضَرَتِ الصَّلاةُ ، فَقَامَ منْ كانَ قَريب الدَّارِ إِلى أَهْلِهِ ، وبقِى قَوْمٌ فَأَتَى رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِمِخْضَب مِن حِجَارَةٍ ، فَصَغُرَ المِخْضَبُ أَن يبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ ، فَتَوَضَّأَ القَوْمُ كُلَّهُمْ . قَالُوا : كَم كُنْتُمْ ؟ قَالَ : ثَمَانِين وزِيادةً . متفقٌ عليه . هذه رواية البخاري .
وفي رواية له ولمسلم : أَنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم دَعا بِإِناءٍ مِنْ ماءٍ ، فأُتِيَ بِقَدحٍ رَحْرَاحٍ فِيهِ شَيءٌ مِنْ مَاءٍ ، فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ . قَالَ أَنس : فَجعَلْتُ أَنْظُرُ إِلى الماءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصابِعِه ، فَحزَرْتُ منْ تَوَضَّأَ ما بيْنَ السَّبْعِينِ إِلى الثَّمَانِينَ .
775- وعن عبد اللَّه بنِ زيدٍ رضي اللَّهُ عنه قال : أَتَانَا النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً في تَوْرٍ مِنْ صُفرٍ فَتَوَضَّأَ . رواه البخاري .
« الصُّفْر » بضم الصاد ، ويجوز كسرها ، وهو النحاس ، « والتَّوْر » كالقدح، وهو بالتاءِ المثناة من فوق .
776- وعن جابر رضي اللَّهُ عنه أَنَّ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم دَخَلَ على رَجُلٍ مِنَ الأَنْصارِ ، ومَعهُ صاحبٌ لَهُ ، فقالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ في شَنَّةٍ وَإِلاَّ كَرعْنا » رواه البخاري . « الشَّنُّ »: القِرْبة .
777- وعن حذيفة رضي اللَّه عنه قالَ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم نَهَانَا عَن الحَرير والدِّيبَاجِ والشُّرْبِ في آنِيةِ الذَّهَب والفِضَّةِ ، وقال : « هِيَ لهُمْ في الدُّنْيا ، وهى لَكُمْ في الآخِرَةِ » متَّفقٌ عليه .
778- وعن أُمِّ سلمة رضي اللَّه عنها أَنَّ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « الذي يَشْرَبُ في آنِيَةِ الفِضَّةِ إِنَّما يُجرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ » متفق عليه .
وفي رواية لمسلم : « إِنَّ الذي يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ في آنِيَةِ الفِضَّةِ والذَّهَبِ » .
       وفي رواية لَه : « مَنْ شَرِبَ في إِناءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فضةٍ فَإِنَّما يُجرْجِرُ في بَطْنِهِ نَاراً مِنْ جَهَنَّمَ » .


كتاب اللباس


117- باب استحباب الثوب الأبيض
وجواز الأحمر والأخضر والأصفر والأسود وجوازه من قطن وكتّان وشعر وصوف وغيرها إلا الحرير
 قال اللَّه تعالى:{ يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً، ولباس التقوى ذلك خير } .
وقال تعالى:  { وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم } .
779- وعن ابنِ عبَّاس رضيَ اللَّه عنْهُما أنَّ رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ البَيَاضَ ، فَإِنَّهَا مِن خَيْرِ ثِيابِكُمْ ، وَكَفِّنُوا فِيها مَوْتَاكُمْ » رواهُ أبو داود ، والترمذي وقال : حديث حسن صحيح.
780- وعن سَمُرَةَ رضيَ اللَّه عنه قال : قالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : «الْبَسُوا البَيَاضَ ، فَإِنها أَطْهرُ وأَطَيبُ ، وكَفِّنُوا فِيها مَوْتَاكُمْ » رواهُ النسائى ، والحاكم وقال : حديث صحيح .
781- وعن البراءِ رضيَ اللَّه عنه قال : كانَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَرْبُوعاً وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ في حُلَّةِ حمْراءَ ما رأَيْتُ شَيْئاً قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ . متَّفقٌ عليه .
782- وعن أبي جُحَيْفَةَ وهْبِ بنِ عبدِ اللَّهِ رضيَ اللَّه عنهُ قال : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بمَكَّةَ وَهُوَ بِالأَبْطَحِ في قُبَّةٍ لَهُ حمْراءَ مِنْ أَدَمٍ فَخَرَجَ بِلالٌ بِوَضوئِهِ ، فَمِنْ نَاضِحٍ ونَائِلٍ ، فَخَرَجَ النبى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ ، كَأَنِّى أَنْظرُ إِلى بَيَاضِ ساقَيْهِ ، فَتَوضَّأَ وَأَذَّنَ بِلالٌ ، فَجَعَلْتُ أَتَتبَّعُ فَاهُ ههُنَا وههُنَا ، يقولُ يَمِيناً وشِمَالاً: حَيَّ عَلى الصَّلاةِ ، حيَّ على الفَلاَحِ . ثُمَّ رُكِزَتْ لَهُ عَنَزَةٌ ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الكَلْبُ وَالحِمَارُ لاَ يُمْنعُ. متَّفقٌ عليه . «العَنَزَةُ» بفتح النونِ نحْوُ العُكازَة .
783- وعن أبي رِمْثة رفاعَةَ التَّميْمِيِّ رضيَ اللَّه عنه قال : رأَيت رسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وعلَيْه ثوبان أَخْضَرانِ . رواهُ أَبو داود ، والترمذي بإِسْنَادٍ صحيحٍ .
784- وعن جابر رضيَ اللَّه عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وعَلَيْهِ عِمامةٌ سوْداءُ . رواهُ مسلم .
785- وعن أبي سعيد عمرو بن حُرَيْثٍ رضيَ اللَّه عنه قال : كأَنى أَنظر إِلى رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وعَليْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ قدْ أَرْخَى طَرَفيها بَيْنَ كتفيْهِ . رواه مسلم .
      وفي روايةٍ له : أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خَطَبَ النَّاسَ ، وعَلَيْهِ عِمَامَة سَودَاءُ .
786- وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت : كُفِّنَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في ثلاثة أَثْوَابٍ بيضٍ سَحُوليَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ ، لَيْسَ فيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمامَةٌ . متفقٌ عليه .
« السَّحُوليَّةُ » بفتحِ السين وضمها وضم الحاء المهملتين : ثيابٌ تُنْسَب إِلى سَحُولٍ : قَرْيَةٍ باليَمنِ « وَالكُرْسُف » : القُطْن .
787- وعنها قالت : خَرَجَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ذات غَداةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ منْ شَعْرٍ أَسود رواه مسلم .
       « المِرْط » بكسر الميم : وهو كساءَ . « والمُرَحَّل » بالْحاءِ المهملة : هو الذي فيه صورةُ رِحال الإِبل ، وَهيَ الأَكْوَارُ .
788- وعن المُغِيرةِ بن شُعْبَةَ رضي اللَّه عنه قال : كُنْتُ مع رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ذاتَ ليلَة في مسيرٍ ، فقال لي : « أَمعَكَ مَاء ؟ » قلت : نَعَمْ ، فَنَزَلَ عن راحِلتِهِ فَمَشى حتى توَارَى في سَوادِ اللَّيْلِ ثم جاءَ فَأَفْرَغْتُ علَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةٍ ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَعَلَيهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ ، فلم يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذِراعَيْهِ منها حتى أَخْرَجَهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الجُبَّةِ ، فَغَسَلَ ذِرَاعيْهِ وَمَسَحَ برأْسِه ثُمَّ أَهْوَيْت لأَنزعَ خُفَّيْهِ فقال : « دعْهمَا فَإِنى أَدخَلْتُهُما طَاهِرَتَينِ » وَمَسَحَ عَلَيْهِما . متفقٌ عليه .
وفي روايةٍ : وعَلَيْهِ جُبَّةٌ شامِيَّةٌ ضَيقَةُ الْكُمَّيْنِ .
وفي روايةٍ : أَنَّ هذِه القصةَ كانت في غَزْوَةِ تَبُوكَ .

118- باب استحباب القميص
789-  عن أُمِّ سَلمةَ رضي اللَّه عنها قالت : كان أَحَبَّ الثِّيابِ إِلى رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم القَميصُ . رواه أبو داود ، والترمذي وقال : حديث حسن .
119- باب صفة طول القميص والكمّ والإِزار
وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء من ذلك على سبيل الخيلاء وكراهته من غير خيلاء
790- عن أَسماء بنت يزيدَ الأنصارِيَّةِ رضي اللَّه عنها قالت : كان كُمُّ قمِيصِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إِلى الرُّسُغِ . رواه أبو داود ، والترمذي وقال :  حديث حسن  .
791- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أَنّ النبى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُر اللَّه إِليهِ يَوْم القِيَامَةِ » فقال أَبو بكر : يارسول اللَّه إِن إِزارى يَسْتَرْخى إِلا أَنْ أَتَعَاهَدَهُ، فقال له رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلاءَ ».
رواه البخاري ، وروى مسلم بعضه .
792- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَنَّ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا ينْظُرُ اللَّه يَوْم القِيَامة إِلى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطراً » متفقٌ عليه .
793-  وعنه عـن النبى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزار ففي النَّار » رواه البخاري .
794- وعن أبي ذرٍّ رضي اللَّه عنه عن النبى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامةِ ، ولا يَنْظُرُ إِلَيْهم ، وَلا يُزَكِّيهِمْ ، وَلهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ » قال : فقَرأَها رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ثلاث مِرَارٍ . قال أَبو ذَرٍّ : خابُوا وخسِرُوا مَنْ هُمْ يا رسول اللَّه ؟ قال : « المُسبِلُ ، والمنَّانُ وَالمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلفِ الكاذِبِ » رواه مسلم .
       وفي روايةٍ له : « المُسْبِلُ إِزَارَهُ » .
795- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما ، عن النبى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «الإِسْبَالُ في الإِزارِ ، والقَمِيصِ ، وَالعِمَامةِ ، منْ جَرَّ شَيئا خُيَلاءَ لَم يَنظُرِ اللَّه إليهِ يوْمَ القِيَامةِ» رواه أبو داود، ُوالنسائى بإسنادٍ صحيح .
796- وعن أبي جُرَيٍّ جابر بن سُلَيم رضي اللَّه عنه قال : رَأَيتُ رَجلاً يصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيهِ لاَ يَقُولُ شَيئاً إِلاَّ صَدَرُوا عنه ، قلتُ : من هذا ؟ قالوا : رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم . قلتُ: عَليكَ السَّلامُ يا رسولَ اللَّه     مَرَّتَيْنِ     قال : «لا تَقُل علَيكَ السَّلامُ ، علَيكَ السلامُ تحِيَّةُ الموْتَى قُلِ : السَّلامُ علَيك » قال : قلتُ : أَنتَ رسول اللَّه ؟ قال : «أَنَا رسول اللَّه الذي إِذا أَصابَكَ ضَرٌّ فَدعَوْتَهُ كَشَفَهُ عنْكَ ، وإِذا أَصَابَكَ عامُ سنَة فَدَعوْتَهُ أَنبتَهَا لك ، وإِذَا كُنتَ بِأَرْضٍ قَفْرٍ أَوْ فلاةٍ ، فَضَلَّت راحِلَتُكَ ، فَدعوْتَه رَدَّهَا علَيكَ » قال : قلت : اعْهَدْ إِليَّ . قال : « لا تسُبَّنَّ أَحداً » قال : فَما سببْتُ بعْدهُ حُرّا ، ولا عبداً ، وَلا بَعِيراً، وَلا شَاةً « وَلا تَحقِرنَّ مِنَ المعروفِ شَيْئاً ، وأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاك وأَنتَ مُنْبسِطٌ إِليهِ وجهُكَ، إِنَّ ذلك مِنَ المعرُوفِ . وارفَع إِزاركَ إِلى نِصْفِ السَّاقِ ، فَإِن أبيتَ فإلى الكَعبين ، وإِياكَ وإِسْبال الإِزارِ فَإِنَّهَا مِن المخِيلةِ وإِنَّ اللَّه لا يحبُّ المَخِيلة ، وإن امْرؤٌ شَتَمك وَعَيَّركَ بمَا يَعْلَمُ فيكَ فلا تُعيِّرهُ بما تَعلَم فيهِ ، فإِنَّمَا وبالُ ذلكَ عليهِ » رواه أبو داود والترمذي بإِسنادٍ صحيحٍ ، وقال الترمذي : حديثٌ حسن صحيح .
797- وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه ، قال : بينما رَجُل يُصَلِّى مُسْبِلٌ إِزَارَه، قال له رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « اذهَب فَتَوضأْ » فَذهَب فَتَوضَّأَ ، ثم جاءَ ، فقال: «اذهبْ فَتَوضَّأْ » فقال له رجُلٌ : يا رسول اللَّه . مالكَ أَمرْتَهُ أَن يَتَوَضَّأَ ثم سَكَتَّ عنه ؟ قال : « إِنه كانَ يُصلِّى وهو مُسْبلٌ إِزارهُ ، إِن اللَّه لا يقْبلُ صلاةَ رجُلٍ مُسبِلٍ » .
رواه أبو داود بإِسنادٍ على شرط مسلم .
798- وعن قَيسِ بن بشرٍ التَّغْلبيِّ قال : أَخْبَرنى أبي     وكان جليساً لأبي الدَّرداءِ     قال : كان بِدِمشقَ رَجُلٌ من أَصحاب النبى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقال له سهلُ ابنُ الحنظَليَّةِ، وكان رجُلاً مُتَوحِّداً قَلَّمَا يُجالسُ النَّاسَ ، إِنَّمَا هو صلاةٌ ، فَإِذا فرغَ فَإِنَّمَا هو تسبيح وتكبيرٌ حتى يأْتيَ أهْلَهُ ، فَمَرَّ بِنَا ونَحنُ عِند أبي الدَّردَاءِ ، فقال له أَبو الدَّردَاءِ : كَلِمةً تَنْفَعُنَا ولا تضُرُّكَ ، . قال : بَعثَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم سريَّةً فَقَدِمَتْ ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنهم فَجَلسَ في المَجْلِس الذي يَجلِسُ فِيهِ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فقال لرجُلٍ إِلى جَنْبهِ : لَوْ رَأَيتنَا حِينَ التقَيْنَا نَحنُ والعدُو ، فَحمَل فلانٌ فَطَعَنَ ، فقال : خُذْهَا مِنِّى . وأَنَا الغُلامُ الغِفَارِيُّ ، كَيْفَ تَرى في قوْلِهِ ؟ قال: مَا أَرَاهُ إِلا قَدْ بَطَلَ أَجرُهُ . فسَمِعَ بِذلكَ آخَرُ فقال : مَا أَرَى بِذَلَكَ بأْساً ، فَتَنَازعا حَتى سَمِعَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال : « سُبْحان اللَّه ؟ لا بَأْس أَن يُؤْجَرَ ويُحْمَد » فَرَأَيْتُ أَبا الدَّرْدَاءِ سُرَّ بِذلكَ ، وجعلَ يَرْفَعُ رأْسَه إِلَيهِ وَيَقُولُ : أأَنْتَ سمِعْتَ ذَلكَ مِنْ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم،؟ فيقول : نعَمْ ، فما زال يعِيدُ عَلَيْهِ حتى إِنّى لأَقولُ لَيَبرُكَنَّ على ركْبَتَيْهِ .
      قال : فَمَرَّ بِنَا يَوماً آخَرَ ، فقال له أَبُو الدَّرْدَاءِ : كَلِمَةً تَنفَعُنَا ولا تَضُرُّكَ ، قال: قال لَنَا رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « المُنْفِقُ عَلى الخَيْلِ كالبَاسِطِ يَدَهُ بالصَّدَقة لا يَقْبِضُهَا» .  ثم مرَّ بِنَا يوماً آخر ، فقال له أَبو الدَّرْدَاءِ : كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلا تَضرُّكَ ، قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « نعْمَ الرَّجُلُ خُرَيْمٌ الأَسَديُّ ، لولا طُولُ جُمته وَإِسْبَالُ إِزَارِه » فبَلغَ ذلك خُرَيماً، فَعجَّلَ فَأَخَذَ شَفرَةً فَقَطَعَ بها جُمتَهُ إِلى أُذنيْه ، ورفعَ إِزَارَهُ إِلى أَنْصَاف سَاقَيْه . ثَمَّ مَرَّ بنَا يَوْماً آخَرَ فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ : كَلِمةً تَنْفَعُنَا ولاَ تَضُرُّكَ قَالَ : سَمعْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ : « إِنَّكُمْ قَادمُونَ عَلى إِخْوانِكُمْ . فَأَصْلِحُوا رِحَالَكمْ ، وأَصْلحوا لبَاسَكُمْ حتى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَة في النَّاسِ ، فَإِنَّ اللَّه لاَ يُحبُّ الفُحْشَ وَلاَ التَّفَحُش » . رواهُ أَبو داود بإِسنادٍ حسنٍ ، إِلاَّ قَيْسَ بن بشر ، فاخْتَلَفُوا في توثيقِهِ وتَضْعفيه ،  وقد روى له مسلم  .
799- وعن أبي سعيدٍ الخدْرِيِّ رضيَ اللَّهُ عنه قال: قَالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم « إزرَةُ المُسلِمِ إِلى نصْفِ السَّاقِ ، وَلاَ حَرَجَ     أَوْ لا جُنَاحَ     فيما بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكَعْبَيْنِ ، فَمَا كانَ أَسْفَلَ منَ الكعْبَينِ فَهَوُ في النَّارِ ، ومَنْ جَرَّ إِزارهُ بَطَراً لَمْ يَنْظرِ اللَّه إِلَيْهِ» .
رواهُ أَبُو داود بإِسنادٍ صحيح .
800- وعن ابنِ عمر رضيَ اللَّه عنهما قال : مَرَرْتُ عَلى رسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَفي إِزاري اسْترْخَاءٌ . فَقَالَ : « يا عَبْدَ اللَّهِ ، ارْفَعْ إِزارَكَ » فَرفعتهُ ثُمَّ قَالَ : «زِدْ»، فَزِدْتُ ، فَمَا زِلْتُ أَتَحرَّاها بَعْدُ . فَقَالَ بَعْض القُوْمِ : إِلى أَيْنَ ؟ فَقَالَ : إِلى أَنْصاف السَّاقَيْنِ». رواهُ مسلم .
801- وعنه قال : قالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « مَنْ جَرَّ ثَوبَه خيلاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّه إِلَيْهِ يَوْمَ القيامِةِ » فقالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهنَّ ، قالَ : « يُرْخينَ شِبْراً». قَالَتْ: إِذن تَنكَشفُ أَقْدامُهنَّ . قال : « فيُرْخِينَهُ ذِراعاً لاَ يَزِدْنَ » .
رواهُ أبو داود ، والترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Share to:

معجبين برنامج تحفيظ القران الكريم على الفايسبوك